إلى الحكم بالشئ شرعا غير الطريق إلى نفس ذلك الشئ، يعرف ذلك بملاحظة الطرق المقررة للموضوعات، فإنه إنما يستفاد منها الحكم شرعا بثبوتها إلا أنه يحصل هناك اعتقاد بحصولها في الواقع، والمقصود هو الأول، وهو المراد بكون شئ طريقا إلى الواقع، وإنما يتفرع عليه الحكم المنوط بالواقع من جهة الحكم بثبوت ذلك في الواقع.
إذا تقرر ذلك فنقول: إنه لما كانت التكاليف الواقعية ثابتة على المكلفين بالنظر إلى الواقع ولم يمكن القول بسقوطها عنا بالمرة كان الواجب حصول طريق لنا إليها، ولما لم يكن هناك طريق قطعي ثابت عن الشارع وجب الأخذ بالظن بمقتضى العقل إلى آخر ما ذكرنا. فإن كان المظنون مطابقا للواقع فلا كلام، وإلا كان التكليف بالواقع ساقطا عنا بحسب الواقع، وكان ذلك حكما ثانويا قائما مقام الأول بالنظر إلى الواقع أيضا وإن كان مكلفا به في الظاهر من حيث إنه الواقع.
فالقول بأن الاشتراك في التكاليف الواقعية لا يقتضي ثبوتها بالنسبة إلينا وتعلقها بنا إن أريد به عدم اقتضائه لحكمنا باشتغال ذمتنا بالواقع ولزوم تفريغها عنه فهو بين الفساد، كيف؟ والمفروض قضاء الاجماع والضرورة به، وإن أريد به عدم اقتضائه تعين تلك التكاليف علينا بحسب الواقع مع عدم ايصال الطريق المقرر في الظاهر للإيصال إليها بالنظر إلى الواقع فمسلم، ولا منافاة فيه لما نحن بصدده.
وربما يورد في المقام بأن الانتقال من العلم إلى غيره من جهة انسداد سبيل العلم إنما يلزم في حكم العقل إذا سلم بقاء تلك التكاليف بعد فرض انسداد سبيل العلم بها، وهو في محل المنع، لاحتمال القول بسقوطها مع عدم التمكن من العلم بها لانتفاء الطريق إلى الوصول إليها، وعدم ثبوت كون الطريق طريقا شرعيا قاضيا بثبوتها وهو بمكان من الوهن والسقوط، إذ المقدمة القائلة ببقاء التكاليف الشرعية في الجملة وعدم سقوطها عن المكلفين بالمرة قد دل عليها إجماع الأمة بل الضرورة، والاقتصار على القدر المعلوم من التكاليف يوجب هدم الشريعة وسقوط معظم التكاليف عن الأمة.
ويمكن أن يقرر المقدمة المذكورة ببيان أوضح لا مجال فيها للمنع المذكور