اعتبر معه قيام الاجماع والضرورة على بقاء الدين والشريعة، والمفروض في المقدمة القائلة بانسداد باب العلم [أن باب العلم] بالأحكام على نحو يحصل به نظام الشريعة ويرتفع به القطع الحاصل من الاجماع والضرورة المفروضة مسدود قطعا. وحينئذ بعد تسليم الانسداد وعدم التعرض لدفعه في المقام كيف يقابل ذلك بالاكتفاء بما دل عليه الضرورة والإجماع، والرجوع في ما عداه إلى الأصل، والمفروض لزوم انهدام الشريعة مع الاقتصار على ذلك كما عرفت.
ويمكن أن يقال: إن ذلك إنما يتم إذا قلنا بعدم جريان الأصل المذكور في العبادات المجملة مطلقا، أو في ما إذا كان أجزاء بعضها منوطا بالبعض مع تعين أجزائها وشرائطها على سبيل التفصيل، إذ لا يصح الاقتصار على القدر المتيقن من الأجزاء، لعدم العلم بكونه هو المكلف به، ولا الحكم بسقوط الكل من جهة عدم تعين المكلف به، لما فيه من الخروج عن ضرورة الدين. وأما إن قلنا بجريان الأصل فيها - كما هو مختار البعض - بناء على أن التكليف إنما يتعلق بالمكلف بمقدار علمه، ولا يتعلق بنا التكليف بالمجملات إلا بمقدار ما وصل إلينا من البيان، فلا يجب علينا إلا الإتيان بما يفي به الأدلة القاطعة من الأجزاء والشرائط، إذ المفروض كون القطع هو الطريق في البيان وعدم ثبوت حصول البيان بغيره ولا قطع لنا بعد الاقتصار على ذلك بوجوب جزء أو شرط آخر، إذ لم يقم ضرورة ولا إجماع ونحوهما من الأدلة القاطعة على اعتبار شئ مما وقع الخلاف فيه من الأجزاء والشرائط ولو في الجملة.
وما قد يقال من حصول القطع إجمالا بوجوب أجزاء اخر غير ما دلت عليه الأدلة القاطعة بين السقوط بعد ملاحظة الحال في العبادات من الطهارة والصلاة والصوم والزكاة وغيرها، ومع الغض عن ذلك وتسليم حصول علم إجمالي بذلك فإنما المعلوم اعتبار جزء أو شرط كذلك بحسب الواقع. وأما تعلق ذلك بنا مع عدم ظهور طريق إليه فمما لم يقم عليه إجماع ولا غيره، فأي مانع من نفيه بالقاعدة المذكورة وإن علم كون الحكم الواقعي الأولي خلافه، لوضوح جريان أصالة البراءة مع العلم الاجمالي باشتغال الذمة بحسب الواقع إذا لم يكن هناك طريق إليه.