نعم لو لم يكن هناك دليل على حصول الجنس أمكن القول بنفيه أيضا من جهة الأصل أولا، لا لقضاء انتفاء الفصل المفروض بنفيه ظاهرا، والمفروض في المقام خلاف ذلك، لقيام الدليل القاطع على ثبوت الجنس. فقوله: أصل البراءة عن المنع من الترك لا يوجب كون الثابت بالإجماع... إلى آخره غير متجه، إذ ليس ذلك مما ادعاه المورد أصلا، بل مراده إثبات الاستحباب في الظاهر، وبيان كون الرجحان الثابت بالإجماع حاصلا مع عدم المنع من الترك بحسب تكليفنا، فالرجحان معلوم والمنع من الترك في الظاهر منفي بحكم الأصل فيثبت بذلك الاستحباب في الظاهر، وكيف يعقل القول بقضاء أصل البراءة بكون الرجحان الثابت بالإجماع حاصلا في الواقع مع عدم المنع عن الترك، ومن المعلوم عدم ارتباط أصل البراءة بالدلالة على الواقع، وقد نص عليه المورد في كلامه.
فإن قلت: إن مقصود المورد هو العمل بالعلم وترك الأخذ بالظن، والوجه المذكور لا يفيد ظنا بثبوت الاستحباب فضلا عن العلم به، فكيف يصح الحكم بثبوته؟!
قلت: ليس مراد المورد إلا البناء على العلم في إثبات الحكم ورفع غير المقطوع به بالأصل، لانتفاء الطريق إليه، ولما كان الرجحان مقطوعا به في المقام حكم به، ورفع الزائد بالأصل، لعدم قيام دليل عليه. فيكون الثابت على المكلف في الظاهر الاستحباب قطعا وإن لم يظن بحصوله واقعا، فإن رفع الحكم في الظاهر لانتفاء الطريق إليه لا يفيد نفي الحكم بحسب الواقع، وإذا كانت إحدى المقدمات مفيدة لثبوت الحكم في الظاهر كان الحكم الثابت من الجميع ظاهريا.
ومع الغض عما ذكرنا، فلو سلم كون نفي الفصل في الظاهر بمنزلة رفعه بحسب الواقع تم المقصود أيضا، فإنه مع ارتفاعه كذلك وقيام الدليل على حصول الجنس بحسب الواقع - كما هو الواقع في المقام - لا مجال للتأمل في تحقق النوع المتقوم (1) بعدم ذلك الفصل كما في نسخ الوجوب إذا قام دليل على تحقق