فلا وجه لما يدعى من عدم وروده في الأخبار مشيرا بذلك إلى الأخبار الدالة على الأمر بالأخذ بالكتاب والسنة، نظرا إلى أن الأخذ بهما غالبا إنما يكون على سبيل الظن، إذ من الواضح أن ذلك أمر بالأخذ بالظن الخاص دون المطلق، فهو يؤيد مقصود المستدل ويعاضد ما ادعاه حسب ما ذكرنا لا أنه ينافيه.
وقد يورد على الاحتجاج المذكور: بأنه لم يكن سبيل العلم منسدا في أزمنة المعصومين (عليهم السلام) وإنما حصل الانسداد بعد ذلك، ولو كان ذلك حاصلا في أزمنتهم صح ما ذكر في الاحتجاج، وأما إذا حصل بعد تلك الأزمنة فلا دلالة في خلو الأخبار عنه على عدم كونه طريقا، وعموم البلوى بها بعد ذلك لا يقضي بذكرها في الأخبار حال عدم الاحتياج إليها، وهذا هو الوجه في خلو الأخبار عن بيانه.
ويدفعه أنه لو سلم جواز إهمال الشارع لحال التكليف في زمن الغيبة مع اشتداد الحاجة إليه نقول: إن انسداد باب العلم كان حاصلا بالنسبة إلى كثير ممن كان في أعصارهم (عليهم السلام) سيما من كان منهم في البلدان البعيدة والأقطار النائية مع شدة التقية، وفي ملاحظة أحوال الرجال وما يرى من اختلافهم في الفتاوى أقوى دلالة عليه، فمنع حصول الانسداد في تلك الأزمنة وإنكار شدة الحاجة إلى حكمه ضعيف، فكيف يصح القول حينئذ بإهمالهم في بيان حكم المسألة وركونهم إلى مجرد حكم العقل مع ما يشاهد من إختلاف العقول في الإدراكات؟
- الرابع - أن الظنون مما يختلف الحال فيها بحسب اختلاف السلائق والأفهام فكيف (1) يصلح أن يجعل مطلق الظن مناطا لاستنباط الأحكام؟ وإلا لزم الهرج والمرج في الشريعة وعدم انضباط الأحكام الشرعية. نعم ما كان من الطرق الظنية مضبوطة بعيدة عن الاضطراب - كظنون الكتاب والسنة - لم يكن مانع من حجيتها والاتكال عليها.
وفيه: أن ذلك إن تم فإنما يتم بالنسبة إلى الظنون التي لا معيار لها كالأهواء والآراء والاستحسانات العقلية والوجوه التخريجية، ولا كلام عندنا في عدم صحة