المقصود من الاحتجاج المذكور، فمرجع هذا الدليل إلى الوجه السابق إلا أن التفاوت بينهما أن ذلك الأصل قد يستدل عليه بعمومات الكتاب والسنة، وقد يستدل عليه بالعقل حسب ما مرت الإشارة إليه، فالأدلة الأربعة مطابقة على إثبات الأصل المذكور، وهو قاض بعدم حجية مطلق الظن وعدم جواز الاتكال عليه إلا ما قام دليل على حجيته. فإذا نوقش في ما يستنهض دليلا على ذلك ولم نجد دليلا آخر سواه تم الاحتجاج المذكور، فيمكن أن يقرر ذلك بالملاحظة المذكورة دليلا واحدا على المقصود، ويمكن أن يقرر أدلة أربعة نظرا إلى تعدد الأدلة القاضية به ولا مشاحة فيه.
- الثالث - أنه لو كان مطلق الظن حجة في الشريعة وكانت العبرة في استنباط الأحكام بعد انسداد باب العلم بالواقع بمطلق المظنة لورد ذلك في الأخبار المأثورة ونص عليه صاحب الشريعة، بل تواترت فيه الروايات الواردة، إذ هو من المطالب المهمة وينوط به بقاء الشريعة وبه يتسق تكاليف الأمة فكيف يقع من صاحب الشريعة إهمال البيان؟! مع أنا لا نجد في الكتاب والسنة دلالة على ذلك ولا بيانا من صاحب الشريعة، بل ولا إشارة إليه في الروايات المأثورة، بل نجد الأمر بعكس ذلك حيث ورد في الأخبار ذم الآخذ بالظن والمنع من التعويل عليه، فعدم قيام الدليل من الشرع على حجيته مع كون المسألة مما يعم به البلية أقوى دليل على عدم ثبوت الحكم، بل قد ورد عنه طريق آخر لاستنباط الأحكام غير مطلق الظن قد وقع التنصيص عليه في أخبار كثيرة وهو الأخذ بالكتاب والسنة والأخبار المأثورة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام).
وقد ورد الحث الأكيد على الرجوع إلى ذلك، ففيه أقوى دلالة على عدم الرجوع إلى مطلق الظن مع التمكن من الرجوع إلى ذلك. نعم الرجوع إلى ما ذكر إنما يكون غالبا على سبيل الظن، إلا أنه ظن خاص لا مدخل له بمطلق الظن، ومن الغريب ما أورد في المقام أنه قد ورد الأمر بالعمل بالظن في الأخبار،