حجيته. والظاهر أنه لا مجال لأحد في إنكاره حسب ما عرفت، بل هو مما اجتمعت عليه العقلاء كافة، وإن فرض خلاف شاذ فيه فهو من قبيل الخلاف في الضروريات على نحو ما يقع من السوفسطائية، وحكاية إجماع المسلمين عليه مذكورة في كلام غير واحد من الأفاضل.
وأورد عليه: أن غاية ما يستفاد مما ذكر أن الظن ليس بحجة من أول الأمر، والأصل الأولي فيه عدم الحجية على عكس العلم فلا يجوز التمسك بشئ من الظنون إلا ما قام الدليل على حجيته من مطلق الظن أو الظنون الخاصة، وهذا كما عرفت خارج عن محل الكلام إنما البحث في أن الأصل المذكور هل انقلب بعد انسداد باب العلم فصار الأصل الثانوي حجية الظن حينئذ إلا ما قام الدليل على خلافه، أو الأصل فيه أيضا عدم الحجية وإنما قام الدليل على حجية ظنون مخصوصة؟ ولا ربط للإجماع المذكور بإثبات ذلك ونفيه، وانقلاب الأصول إلى أصول اخر بخلافها شائع في الفقه كحجية شهادة العدلين وإخبار ذي اليد ودلالة يد المسلم على الطهارة بعد العلم بنجاسته، مع أن الأصل الأولي في الجميع على خلاف ذلك، والكلام هنا في إثبات هذا الأصل، ولا يثبت بالإجماع المدعى على ثبوت الأصل في التقدير الآخر.
قلت: المقصود من التمسك بالإجماع المذكور بيان هذا الأصل المسلم وأن قضية الأصل عدم حجية شئ من الظنون إلا ما قام الدليل عليه، فالقائل بحجية مطلق الظن حينئذ لا بد له من إقامة دليل علمي عليه، فإن تم له ذلك فلا كلام وإلا لم يكن له بد من القول بنفي حجية الظن بمقتضى الاجماع المذكور إلا ما قام الدليل القاطع على حجيته بالخصوص من الظنون فالإجماع القائم على الأصل الأولي كان حجة على ثبوت الأصل في المقام الثاني بعد المناقشة في الدليل القائم على خلافه، فإذا لم ينهض دليل القائل بأصالة حجية مطلق الظن بالأصل الثانوي حجة في المقام انحصر الدليل بمقتضى الاجماع المذكور في الظنون الخاصة من غير حاجة في إثبات هذا الأصل إلى إقامة دليل آخر، وهذا هو