نعم إنما يستلزم الظن بالواقع الظن بتفريغ الذمة بالنظر إلى الواقع لا في حكم المكلف الذي هو مناط الحجية، والمقصود في المقام هو حصول الظن به في حكمه، إذ قضية الدليل المذكور حجية ما يظن من جهته بتفريغ الذمة في حكم الشارع بعد انسداد سبيل العلم به، وهو إنما يتبع الدليل الظني القائم على حجية الطرق الخاصة، ولا يحصل من مجرد تحصيل موضوع الظن بالواقع، لما عرفت من وضوح كون الظن بالواقع شيئا والظن بحجية ذلك الظن شيئا آخر، ولا ربط له بنفس ذلك الظن.
وقد عرفت أن ما يتراءى من استلزام الظن بالواقع الظن بتفريغ الذمة، نظرا إلى أن المكلف به هو الواقع إنما يصح بالنسبة إلى الواقع، حيث إنه يساوق الظن بالواقع الظن بتفريغ الذمة بالنسبة إليه عند أدائه كذلك، وذلك غير الظن بتفريغ الذمة في حكم المكلف كيف؟ والظن المفروض حاصل في القياس أيضا بعد قيام الدليل على عدم حجيته، فإنه إذا حصل منه الظن بالواقع فقد حصل منه الظن بفراغ الذمة بالنظر إلى الواقع عند أداء الفعل كذلك، إلا أن الظن المفروض كالظن المتعلق بنفس الحكم مما لا اعتبار له بنفسه، وقد قام الدليل الشرعي هناك أيضا على عدم اعتباره فقضى بالقطع بعدم حصول التفريغ به في حكم الشرع.
فظهر بما قررناه أن الإيراد المذكور إنما جاء من جهة الخلط بين الوجهين وعدم التميز بين الاعتبارين. ومما يوضح ما قلناه أن الظن بالملزوم لا يمكن أن يفارق الظن باللازم، فبعد دعوى الملازمة بين الأمرين كيف يعقل استثناء ما لو قام الدليل على خلافه، والقول بأنه بعد قيام الدليل القطعي يعلم الانفكاك ومع قيام الدليل الظني يظن ذلك؟ وهل ذلك إلا تفكيك بين اللازم والملزوم؟
فظهر بما قررناه أن اللازم أولا في حكم العقل هو تحصيل العلم بالتفريغ في حكم الشارع وبعد انسداد سبيله يتنزل إلى الظن بالتفريغ في حكمه لا مجرد الظن بالواقع، وقد عرفت عدم الملازمة بين الأمرين وحصول الانفكاك من الجانبين.
نعم لو كان الحاصل بعد انسداد سبيل العلم بحصول التفريغ في حكمه أمور