وفيه: أن ظاهر سياق الآية هو الذم على اتباع الظن مطلقا، وحملها على إرادة الحصر الحقيقي لا يخلو عن بعد، بل قد يقطع بفساده. وعلى فرض حملها عليه فليس الذم واردا على خصوص الانحصار فيه، بل ظاهر السياق كون أصل الذم على اتباع الظن، وإن كان حصر الأمر فيه أشنع كما تقول في مقام الذم لا يشتغل فلان إلا بالعصيان، فإنه يفيد شناعة أصل العصيان، كما لا يخفى.
ومنها: ما قد يورد على الآية الثالثة من أنه لا عموم فيها حتى يشمل جميع الظنون، غاية الأمر دلالتها على عدم حجية بعض الظنون أو عدم حجية الظن مطلقا في بعض الأشياء، ولا كلام فيه، وأيضا أقصى ما يستفاد من الآية عدم جواز إسناد الحكم إليه تعالى على سبيل الجزم مع حصول الظن به، وأما إذا أبرز الحكم على سبيل الظن كما هو الواقع فلا دلالة فيها على المنع، وكذا لا دلالة فيها على المنع من العمل به.
ويدفع الأول أن في الإطلاق كفاية في المقام سيما مع إشعاره بالعلية، بل ودلالته فيها.
والثاني أنه لو جاز الإفتاء على سبيل الظن جاز الحكم على وجه البت أيضا من غير تأمل لأحد فيه، فإذا دلت الآية على المنع منه دلت على المنع من الإفتاء رأسا، ومع المنع من الإفتاء مطلقا لا يجوز العمل به، إذ لا قائل بالفرق.
ومنها: ما يورد على الآية الأخيرة وهو من وجوه:
أحدها: أنها خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يعم غيره. ومن البين أنه مكلف بالعمل بالوحي ولا يجوز له الأخذ بالظن، نعم فيها دلالة على بطلان قول من يجوز عليه الاجتهاد.
وقد يجاب عنها تارة: بأن ما دل على وجوب التأسي قاض بجريان الحكم بالنسبة إلى أمته أيضا كيف؟ والأصل الاشتراك في التكاليف إلا أن يعلم اختصاصه به، ولذا حصرت خواصه في أمور معينة. وأخرى: بأنه لا تأمل لأحد في شمول الحكم المذكور للأمة إما لأن الخطاب إليه خطاب لامته في الحقيقة حسب ما هو