وتتبع الأدلة ومؤداها وتأمل فيها حق التأمل وميزها حق التميز وعرف الفرق بين زمان المعصوم عليه السلام وغير زمانه يعلم أن ما ذكره الأخباريون محض كلام بلا محصل ولو فرضنا في مسألة قيام الشهرة في أحد طرفي المسألة وخبر واحد في الطرف الآخر من دون عامل أو مع عامل نادر فعلى الاخباري ان يثبت أن أدلة حجية خبر الواد تشمل مثل هذا المقام فلا يجوز العمل بالشهرة فإن قال لا أقول بنفي العمل ولا بوجوبه بل أتوقف واحتاط فأقول كيف تصنع فيما لا يمكن ذلك فيه بل أقول لك هنا كلاما هو بمنزلة السر لمختار العاملين بالظنون في أمثال ذلك الزمان وهو أن العاقل البصير لا بد أن يلاحظ مضار طرفي الفعل والترك في كل ما يرد ولا يقتصر على أحد الطرفين ولذلك أمثلة كثيرة منها الاجتناب عن مساورة عامة الناس لكون غالبهم غير محترزين عن النجاسات فإن الاحتياط عن النجاسة حسن لكن الاجتناب عن كسر قلوب المؤمنين وتضييق الامر والمفاسد المترتبة على ذلك مما ليس هنا مقام تعداده أيضا حسن بل أحسن وكذلك الاحتياط في الفتوى و العمل حسن لكن إقامة المعروف وإغاثة الملهوف ورفع المفاسد وقطع الدعاوي بين الناس و الاصلاح بينهم أيضا حسن بل أحسن وهكذا فإذا ورد عليك مسألة وتردد أمرك بين أن تحكم فيها بما أدى إليه ظنك وأن تحتاط فكما تحتاط في الفتوى والعمل بالظن من جهة ما دلك عليه من الآيات والأخبار الدالة على حرمة العمل بالظن وبتذكرها تثبط على الدخول فيه فتذكر حينئذ ما ورد عليك من الآيات والأخبار الدالة على إقامة المعروف والاصلاح بين الناس وأنه لا حرج في الدين ولا عسر ولا ضيق وأن التسبيب لتلف الأموال والنفوس وتعطيل أحكام الشرع مذموم وعليك أن تحتاط من أن يكون ذلك من جهة الوسواس وتسويل الشيطان فإن الشيطان أيضا قد يصير عالما صالحا متنسكا لأجل تغرير الصلحاء والعباد ألا ترى أنه يوسوس في أحكام النجاسات ونية العبادات إلى أن يجعل الانسان متأذيا عن طاعة الله ولا يتعرض لحال أمر الانسان في الاجتناب عن المحرمات المالية وحقوق الناس وغيرها فترى الوسواسين مجتنبين عن الطاهر اليقيني بسبب احتمال قربه بالنجس ولا يحتاطون أبدا من أكل لحوم السوق مع ظهور أن أكثر الجزارين مما لا يعتمد على دينهم وتقويهم بل ولا يدرون كثير منهم مسائل الذبح والتذكية فلعله أكل لحم الميتة غالبا وكذلك لا يجتنبون من أكل السكر بل ولبس منسوجات أهل الكفر مع أن الغالب أنهم ملاقوها بالرطوبة وكما أن عدم التنزه عن النجاسة يوجب الهلاك فكذلك أكل الحرام وهكذا الكلام في فتوى القصاص فربما يظهر لفقيه لزوم القصاص ويحتاط لأجل التحرز عن الدخول في أحكام الدماء وينسى عما ذكره الله تعالى
(٤٤٦)