فناب ظنه مقام يقينه ولما لم يكن إثبات اليقين بحجية أخبار الآحاد وظواهر الكتاب في زماننا لما أشرنا سابقا فغاية الامر حصول ظن بحجيتها لنا والاعتماد على أصل البراءة قد عرفت حاله وكذلك التوقف والاحتياط مع عدم دليل عليهما نعم إذا فرض حصول ظن للمجتهد في مسألة أصلا فيرجع فيه إلى أصل البراءة لا يقال انه على هذا التقرير يرجع مال هذا الدليل إلى الدليل الأول لان مرجع الدليل الأول إلى لزوم تكليف ما لا يطاق في معرفة الاحكام لو لم يعمل بظن المجتهد ومرجع هذا الدليل إلى أن ترك العمل بالظن يوجب الظن بالضرر قوله مع أنه منقوض برواية الفاسق فيه أن عدم جواز العمل بخبر الفاسق إذا أفاد الظن أول الكلام إذ اشتراط العدالة معركة للآراء والاستدلال بالآية غاية الظن ولم يحصل العلم بحجيته هذا الظن كما مر مع أن الشيخ صرح بجواز العمل بخبر المتحرز عن الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه ولا ريب أن ذلك من القرائن الداخلية لا القرائن الخارجة مع أن المشهور بينهم جواز العمل بالخبر الضعيف المعتضد بعمل الأصحاب ولا ريب أن ذلك لا يفيد إلا الظن وغايته أن يثبت حجية هذا الظن بما ورد من الاخذ بالمشهور بين الأصحاب وهو مع أنه قد يعارض بغيره من المرجحات ظن حاصل من خبر الواحد بل من الترجيح الحاصل بين مختلفاتها وقد عرفت حاله والحاصل انا لم نجوز العمل بخبر الفاسق فإنما هو لأجل عدم حصول الظن به أو لحصول الظن بعدمه لا لأنه فاسق وإن حصل الظن بن وهكذا يقال إذا أورد النقض بالقياس أيضا بل نقول أن الواجب على المجتهد العمل بمقتضى ما يؤديه إلى الظن بالحكم من الأدلة التي تتداول إلا خبر الفاسق مثلا أو القياس مثلا وذلك أما لأنهما لا يفيدان الظن وذلك هو علة منع الشارع عنهما أو لأنهما مستثنيان من الأدلة المفيدة للظن لا أن الظن الحاصل منهما مستثنى من مطلق الظن وهذا الكلام يجري في الوجه الأول أيضا لان تكليف ما لا يطاق إذا اقتضى العمل بالظن بعد انسداد باب العلم فلا معنى لاستثناء الظن الحاصل من القياس والجواب أن تكليف ما لا يطاق وانسداد بال العلم من جهة الأدلة المقتضية للعلم أو الظن المعلوم الحجية مع بقاء التكليف يوجب جواز العمل بما يفيد الظن يعني في نفسه ومع قطع النظر عما يفيد ظنا أقوى وبالجملة ما يدل على مراد الشارع على مراد الشارع ولو ظنا ولكن لا من حيث أنه يفيد الظن لا أنه يوجب جواز العمل بالظن المطلق النفس الأمري وهذا المعنى قابل للاستثناء فيقال أنه يجوز العمل بكل ما يفيد الظن بنفسه ويدل على مراد الشارع إلا بالقياس وبعد وضع القياس من البين فإذا تعارض باقي الأدلة المفيدة للظن فحينئذ يعتبر الظن النفس الأمري ويلاحظ القوة والضعف بل لا يبقى حينئذ ظن ضعيف بل الأقوى يصير ظنا والأضعف وهما ويمكن أن يقال أن في مورد القياس لم يثبت انسداد باب العلم
(٤٤٨)