فالذي يجب على الله تعالى أن يكتفي عنا بما نفهمه من كتابه إما يقينا أو ظنا ولكن لم يثبت ذلك ثبوتا علميا لاحتمال أن يكون الكتاب العزيز من باب القسم الثاني سيما الخطابات الشفاهية منه وسيما ما اشتمل على الاحكام الفرعية ولا ينافي ذلك تعلق الغرض ببقائه أبد الدهر أيضا لحصول الاعجاز و سائر الفوائد مع ذلك أيضا فإن قلت إن أخبار الثقلين وغيرها مما دل على العرض على كتاب الله تعالى تفيد ان الكتاب من القسم الأول قلنا أولا ننقل الكلام إلى تلك الأخبار ونقول ان الاستدلال بها فيما نحن فيه موقوف على أن يكون تلك الأخبار من قبيل القسم الأول لا من باب مجرد الخطاب الشفاهي مع الأصحاب وثانيا أنه لا قطع لنا بكونها ظني الدلالة بالنسبة إلى المشافهين في هذا المعنى كما ذكرنا القدح من الأخباريين في دلالتها وإن كان خلاف الظاهر فإن غايتها الظن بكون جواز العمل بما يظن من جهة الكتاب جائزا لهم ولا قاطع لحجية هذا الظن ويمكن أن يكون المراد تمسكوا بها إذا فسرها الأئمة عليهم السلام كما ذكروه الأخباريون وإن كان خلاف الظاهر وإن سلمنا أن تعاضد تلك الأخبار بعضها ببعض مع قرائن خارجية يفيد القطع بجواز العمل فذلك أيضا لا يفيد إلا جواز العمل في الجملة وأما لو حصل ظن أقوى من ظاهر الكتاب من جهة خبر الواحد وغيره من الأدلة التي لم يثبت حجيتها بالخصوص فلا قطع لوجوب العمل على ظاهر الكتاب حينئذ وأما السنة المعلومة الصدور عنه صلى الله عليه وآله فيحتمل ضعيفا أن تكون مثل المصنفات والمكاتيب ولكن الأظهر أن يكون المراد منها تفهيم المخاطبين وبلوغ نفس الحكم إلى من سواهم بواسطة تبليغهم ومع ذلك فلا يعلم من حاله رضاه صلى الله عليه وآله بما يفهمه الغير المشافهين حتى يكون ظنا معلوم الحجية فهذا هو القدر الذي يمكن أن يقال أنه الظن المعلوم الحجية وأما أصل البراءة فهو ليس من الظنون التي علم حجيتها بل هو من الأدلة الظنية كما أشرنا و سنشير إليه في محله وأما خبر الواحد فقد عرفت أنه لا دليل على وجوب العمل به إذ أقوى أدلته الاجماع وهو على فرض تسليمه لا يثبت إلا حجيته في الجملة وفي زمان خاص وفي نوع خاص إذ حجيته في الاعصار المتأخرة عن زمن الصحابة غير معلومة وكذلك القدر المسلم منه خبر العادل والمسلم منه العادل المعلوم العدالة والمسلم منه ما لم يعارضه مثله أو لم يعارضه أضعف منه إذا كان معمولا به وهو مهجور أو لم يسنحه السوانح من المعارضات والاشكالات في علاج التعارض وغيره مما ليس هنا محل البسط وقد أشرنا إلى بعضها في مباحث التخصيص وغيرها وأكثر هذه السوانح يعود إلى كيفية الاستنباط من الكتاب والسنة المتواترة أيضا باعتبار حصول العلم بالتخصيص والتقييد بالنظر إلى العمومات في الجملة واحتمال (ورودها فيما لم نطلع عليه فيجب البحث والفحص إلى أن يحصل الظن بعدمه كما مر في محله لما بينا انها من باب الخطابات الشفاهية المقصودة عنها تفهيم المخاطبين واحتمال) أن يكون معهم من القرائن ما يفيد أن المراد خلاف ظاهرها كما علم في كثير
(٤٥١)