الأنداد والأضداد والتسليم والانقياد وتوطين النفس على تحمل المشاق الواردة من قبله تعالى فالاحكام الفرعية وإن كانت من الأمور الحقيقية المتأصلة الناشئة من المصالح النفس الامرية لكن العمدة في تأسيسها هو الابتلاء والامتحان وتقوية الايمان بسبب الامتثال بها والتقرب بها من جهة أنه إطاعة فإذا فهم المكلف من خطاب الشارع فهما علميا بنفس الحكم وامتثل به فهو جامع للسعادتين أعني الفوز بالمصلحة الخاصة الكامنة فيه والفوز بالمصلحة العامة التي هي نفس الانقياد والإطاعة وإذا فهم فهما ظنيا على مقتضى محاورة لسان القوم الذي انزل الله الكتاب وبعث الرسول صلى الله عليه وآله عليه فهو وإن فقد المصلحة الخاصة لكنه أدرك المصلحة العامة بل عوض المصلحة الخاصة أيضا لئلا يخلو عمله عن الاجر وفاقا للعدل لحصول الانقياد بدونه أيضا وبعد ملاحظة هذا السر يندفع ما يتوهم انه كيف يجمع هذا مع القول بكون الاحكام ثابتة في نفس الامر في كل شئ على نهج مستقر ثابت وإن التصويب باطل والحاصل أن المقصود بالذات من الخطاب وإن كان حصول نفس الحكم النفس الأمري لكن يظهر من جعل الشارع مناط تفهيمه النطق بالألفاظ التي جرى عادة الله بأنها لا تفيد اليقين في الأغلب أنه راض بهذا الظن ويكتفي به عما اراده في نفس الامر لأنه غير فاقد للمصلحة أيضا كما عرفت فهذا الظن مما علم حجيته وهذا هو الذي اتفق العلماء على حجيته من دون خلاف بينهم قائلين ان الظن في موضوعات الاحكام من مباحث الألفاظ وغيرها حجة إجماعا ثم إن هذا الكلام إذا نقل إلى غير المشافهين المشاركين لهم في التكليف بمقتضاه فإن كان نقله بمعناه بمعنى أن مراده الواقعي صار يقينا لهم و علموا أنه أراد ذلك لا غير فلا كلام فيه أيضا وإن كان نقله بلفظه بمعنى أنه حصل لهم العلم بأن هذا هو لفظ الشارع فالاشكال حينئذ في أن الظن الحاصل لهم من هذا اللفظ القطعي الصدور حجة عليهم أم لا نقول حينئذ ان هذا اللفظ على قسمين قسم يحتمل أن يكون مما يقصد به بقائه في الدهر والاستفادة منه كتأليفات المصنفين وقسم لا يقصد به ذلك بل إنما قصد به تفهيم المخاطبين وإن كان غيرهم أيضا مشاركون لهم في أصل الحكم فأما الكتاب كالعزيز فهو وإن كان يمكن أن يكون من القسم الأول وذلك لأنا وإن لم نقل بعموم خطاب المشافهة للغائبين كما حققناه في محله لكنا نقول بأن الله تعالى يريد من جميع الأمة فهمه والتدبر فيه والعمل على مقتضاه خلافا لأخباريين كما بيناه سابقا فيكون هذا الظن أيضا حجة بالخصوص لان طريقة العرف والعادة في تأليف الكتب وإرسال المكاتيب والرسائل إلى البلاد البعيدة سيما مع مخالفة مخالفة الألسنة ومباينة الاصطلاحات تقتضي ذلك فإن المصنفين وأهل المكاتيب والرسائل لا يريدون ممن يبلغ إليه كتابهم إلا العمل على مقتضاه بقدر فهمهم ووسعهم
(٤٥٠)