بما بعد عنه، إذ لو جاز مع إفادته واستقلاله أن يتعلق بغيره، لوجوب فيه - لو كان مستقلا بنفسه - أن تعلقه (1) بغيره.
الثالث: أن من حق العموم المطلق أن يحمل على عمومه وظاهره، إلا لضرورة تقتضي (2) خلاف ذلك. ولما خصصنا الجملة التي يليها الاستثناء بالضرورة، لم يجز تخصيص غيرها، ولا ضرورة.
الرابع: أنه، لو رجع الاستثناء إلى الجميع، فان أضمر مع كل جملة استثناء، لزم مخالفة الأصل، وإن لم يضمر، كان العالم فيما (3) بعد الاستثناء أكثر من واحد، ولا يجوز تعدد العالم على معمول واحد في إعراب واحد، لنص سيبويه عليه، وقوله حجة، ولئلا يجتمع المؤثران المستقلان على الأثر الواحد.
الخامس: أنه لا خلاف في أن الاستثناء من الاستثناء يرجع إلى ما يليه، دون ما تقدمه. فإذا قال القائل: " ضربت غلماني، إلا ثلاثة، إلا واحدا " كان الواحد المستثنى راجعا إلى الجملة التي يليها (4)، دون ما تقدمها. فكذا في غيره، دفعا للاشتراك.
السادس: أن الظاهر من حال المتكلم أنه لم ينتقل من الجملة الأولى إلى الثانية إلا بعد استيفاء غرضه منها، كما لو سكت، فإنه يكون دليلا على استكمال (5) الغرض من الكلام. وكما أن السكوت يحول بين الكلام وبين لواحقه فيمنع من تعلقها به، فكذلك الجملة الثانية حائلة بين الاستثناء وبين الأولى فتكون مانعة من تعلقه بها.
والجواب عن الأول: أنه إن كان المراد بمخالفة الاستثناء للأصل: أنه موجب للتجوز في لفظ العام، والأصل الحقيقة، فله جهة صحة. لكن تعليله بمخالفة الحكم الأول فاسد، إذ لا مخالفة فيه للحكم بحال.