أحد الامرين على البحث والتفتيش. وإنما اكتفينا بحصول الظن ولم نشترط القطع، لأنه مما لا سبيل إليه غالبا، إذ غاية الامر عدم الوجدان، وهو لا يدل على عدم الوجود. فلو اشترط، لادى إلى إبطال العمل بأكثر العمومات.
احتج مجوز التمسك به قبل البحث: بأنه لو وجب طلب المخصص في التمسك بالعام، لوجب طلب المجاز في التمسك بالحقيقة. بيان الملازمة: أن إيجاب طلب المخصص إنما هو للتحرز عن الخطاء (1). وهذا المعنى بعينه موجود في المجاز. لكن اللازم أعني طلب المجاز منتف، فإنه ليس بواجب اتفاقا، والعرف قاض أيضا بحمل الألفاظ على ظواهرها، من غير بحث عن وجود ما يصرف اللفظ عن حقيقته. و بهذا احتج العلامة على مختار التهذيب (2). وهو كالصريح في موافقة هذا القائل، فتأمل.
والجواب: الفرق بين العام والحقيقة، فان العمومات أكثرها مخصوصة، كما عرفت. فصار حمل اللفظ على العموم مرجوحا في الظن قبل البحث عن المخصص.
ولا كذلك الحقيقة، فان أكثر الألفاظ محمول (3) على الحقايق.
واحتج مشترط القطع: بأنه إن كانت المسألة مما كثر فيه البحث، ولم يطلع على تخصيص، فالعادة قاضية بالقطع بانتفائه، إذ لو كان، لوجد مع كثرة البحث قطعا. وإن لم يكن (4) مما كثر فيه البحث، فبحث المجتهد فيها يوجب القطع بانتفائه أيضا، لأنه لو أريد بالعام الخاص، لنصب لذلك (5) دليل يطلع عليه، فإذا بحث المجتهد ولم يعثر بدليل التخصيص، قطع بعدمه.
وأجيب: بمنع المقدمتين، أعني: العلم عادة عند كثرة البحث، والعلم بالدليل عند بحث المجتهد. فإنه كثيرا ما (6) تكون (7) المسألة مما تكرر فيه البحث، أو يبحث فيها المجتهد، ليحكم (8)، ثم يجد ما يرجع به عن حكمه (9). وهو ظاهر.