ألفاظ العموم للجميع ليس باعتبار صلاحيتها لذلك، بل لأنها موضوعة للشمول والاستغراق وجوبا، فلا وجه للتشبيه بها في هذا المقام. وإنما يحسن أن يشبه بالجمع المنكر، فإنه صالح للجميع، ومع ذلك، ليس بظاهر فيه، ولا في شئ مما يصلح له، من مراتب (1) الجمع. ألا ترى (2): أن القائل إذا قال: " رأيت رجالا " كان كلامه صالحا لإرادة البيض والسود، والطوال والقصار. ولا يظهر منه - مع ذلك - أنه قد أراد كل من صلح هذا اللفظ له.
وعن الخامس (3): أنهم كما يريدون الاستثناء من كل جملة، فيختصرون بذكر ما يدل على مرادهم في أواخر الجمل، هربا من التطويل، بذكره عقيب كل جملة، كذلك يريدون الاستثناء من الجملة الأخيرة فقط، فلابد من القرينة في الحكم بالاختصار وعدمه.
وعن السادس: أن اعتبار الاتصال في الكلام وعدم الفراغ منه بالنسبة إلى اللواحق، كالشرط والاستثناء والمشية، إنما هو لصحة اللحوق والتأثير فيه، لتمييز حكم ما يصح لحوقه بالكلام مما لا يصح، لا لصيرورتها ظاهرة في التعلق بجميعه (4)، وإن كان بعضه منفصلا وبعيدا عن محل المؤثر.
واحتج من خصه بالأخيرة بوجوه:
الأول: أن الاستثناء خلاف الأصل، لاشتماله على مخالفة الحكم (5) الأول.
فالدليل يقتضي عدمه. تركنا العمل به في الجملة الواحدة، لدفع محذور الهذرية، فيبقى الدليل في باقي الجمل سالما عن المعارض. وإنما خصصنا الأخيرة، لكونها أقرب، ولأنه لا قائل بالعود إلى غير الأخيرة خاصة.
الثاني: فإن المقتضي لرجوع الاستثناء إلى ما تقدمه، عدم استقلاله بنفسه، ولو استقل لما علق بغيره. ومتى علقناه بما يليه استقل وأفاد، فلا معنى لتعليقه