وعن الثاني أن عدم الدوام في مثل قول الطبيب، إنما هو للقرينة، كالمرض في المثال. ولولا ذلك، لكان المتبادر هو الدوام. على أنك قد عرفت في نظيره سابقا: أن ما فروا منه بجعل الوضع للقدر المشترك - أعني: لزوم المجاز والاشتراك - لازم عليهم، من حيث إن الاستعمال في خصوص المعنيين يصير مجازا فلا يتم لهم الاستدلال به.
وعن الثالث: أن التجوز جائز، والتأكيد واقع في الكلام مستعمل، فحيث يقيد بخلاف الدوام يكون ذلك قرينة المجاز، وحيث يؤتى بما يوافقه يكون تأكيدا.
فائدة لما أثبتنا كون النهي للدوام والتكرار، وجب القول بأنه للفور، لان الدوام يستلزمه. ومن نفى كونه للتكرار، نفى الفور أيضا. والوجه في ذلك واضح.
أصل الحق امتناع توجه الأمر والنهي إلى شئ واحد. ولا نعلم في ذلك مخالفا من أصحابنا. ووافقنا عليه كثير ممن خالفنا. وأجازه قوم. وينبغي تحرير محل النزاع أولا فنقول:
الوحدة تكون (1) بالجنس وبالشخص. فالأول يجوز ذلك فيه، بأن يؤمر بفرد و ينهى عن فرد، كالسجود لله تعالى، وللشمس (2)، والقمر. وربما منعه مانع، لكنه شديد الضعف، شاذ. والثاني إما أن يتحد فيه الجهة، أو تتعدد (3). فان اتحدت، بأن يكون الشئ الواحد من الجهة الواحدة مأمورا به منهيا عنه، فذلك مستحيل قطعا. وقد يجيزه بعض من جوز تكليف المحال - قبحهم الله - (4) ومنعه بعض المجيزين