أصل لا ريب في جواز النسخ ووقوعه، وما يحكى فيهما من الخلاف لا يستحق أن ينظر إليه. وجمهور أصحابنا على اشتراطه بحضور وقت الفعل المنسوخ، سواء فعل أم لم يفعل. ووافقهم على ذلك جمع من العامة. وحكى المحقق (1) - رحمه الله - عن المفيد القول بجوازه قبل حضور وقت الفعل. وهو مذهب أكثر (2) أهل الخلاف.
والحق الأول. لنا: أنه لو وقع ذلك لاقتضى تعلق النهي بنفس ما تعلق به الامر وهو محال. لان الامر يدل على كونه حسنا، والنهي يقتضى قبحه.
فاجتماعهما يستلزم كونه حسنا قبيحا معا وهو ظاهر الاستحالة. ولأن الفعل الواحد، إما حسن أو قبيح. فبتقدير أن يكون حسنا يكون النهي عنه قبيحا و بتقدير أن يكون قبيحا يكون الامر به قبيحا.
احتج المخالف بوجوه: الأول قوله (3) تعالى: " يمحو الله ما يشاء ويثبت " (4)، فإنه يتناول بعمومه موضع النزاع. الثاني أنه تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه ثم نسخه عنه قبل وقت الفعل. الثالث ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله، امر ليلة المعراج بخمسين صلاة، ثم راجع إلى أن عادت إلى خمس (5 - 6). وذلك نسخ قبل وقت الفعل. الرابع أن المصلحة قد تتعلق (7) بنفس الأمر والنهي. فجاز