اما على القول بأن الاستثناء إخراج من اللفظ بعد إرادة تمام معناه وقبل الحكم والاسناد، كما هو رأي محققي المتأخرين، فظاهر. وكذا على القول بأن المجموع من المستثنى منه والمستثنى مع الأداة، عبارة عن الباقي، فله اسمان:
مفرد، ومركب.
وأما على القول بأن المراد بالمستثنى منه: ما بقي بعد الاستثناء مجازا والاستثناء قرينته، وهو مختار أكثر المتقدمين، فلان الحكم لم يتعلق بالأصالة إلا بالباقي، فلا مخالفة بحسب الحقيقة.
وقوله: (إن ترك (1) العمل بالدليل - يعنى الأصل - في الجملة الواحدة لدفع محذور الهذرية) هذر، فان الخروج عن أصالة الحقيقة والمصير إلى المجاز عند قيام القرينة مما لا يدانيه شوب الريب ولا يعتريه شبهة (2) الشك. وتعلق الاستثناء بالأخيرة في الجملة مقطوع به، فتعليل ترك العمل بالأصل حينئذ بدفع محذور الهذرية فضول، بل غفلة وذهول، لان دفع الهذرية لو صلح بمجرده سببا للخروج عن الأصل لقبل الاستثناء وإن انفصل في النطق عرفا وانقطع عن المستثنى منه حسا، بل وغيره من اللواحق أيضا. والبديهة تنادي بفساده.
وإن كان المراد أن الظاهر من المتكلم باللفظ العام إرادة العموم، والاستثناء مخالف لهذا الأصل، يعني القاعدة أو استصحاب هذه الإرادة، فتوجه المنع إليه ظاهر، لان الاتفاق واقع على أن للمتكلم ما دام متشاغلا بالكلام أن يلحق به ما شاء من اللواحق. وهذا يقتضي وجوب توقف السامع عن الحكم بإرادة المتكلم ظاهر اللفظ حتى يتحقق الفراغ وينتفي احتمال إرادة غيره. ولو كان صدور اللفظ بمجرده مقتضيا للحمل على الحقيقة، لكان التصريح بخلافه قبل فوات وقته منافيا له ووجب رده. ويتمشى ذلك إلى الأخيرة (3) أيضا. ولا يجدي معه دفع محذور الهذرية، لما عرفت.