لكن إرادة البعض ينافي الحكمة، إذ لا معنى لتحليل بيع من البيوع، وتحريم فرد من الربا، وعدم تنجيس مقدار الكر من بعض الماء، إلى غير ذلك من موارد استعماله في الكتاب والسنة، فتعين في هذا كله إرادة الجميع، وهو معنى العموم.
ولم أر أحدا تنبه لذلك من متقدمي (1) الأصحاب، سوى المحقق - قدس الله نفسه - فإنه قال في آخر هذا البحث: " ولو قيل: إذا لم يكن ثم معهود، وصدر (2) من حكيم، فان ذلك قرينة حالية تدل على الاستغراق، لم ينكر ذلك ".
أصل أكثر العلماء على أن الجمع المنكر لا يفيد العموم، بل يحمل على أقل مراتبه. وذهب بعضهم إلى إفادته ذلك. وحكاه (3) المحقق عن الشيخ، بالنظر إلى الحكمة. والأصح الأول.
لنا: القطع بأن " رجالا " مثلا (4) بين الجموع في صلوحه لكل عدد بدلا، " كرجل " بين الآحاد في صلوحه لكل واحد، فكما أن " رجلا " ليس للعموم فيما يتناوله من الآحاد، كذلك " رجال " ليس للعموم فيما يتناوله من مراتب العدد.
نعم أقل المراتب واجبة الدخول قطعا، فعلم كونها مرادة، وبقي ما سواها على حكم الشك.
حجة (5) الشيخ: أن هذه اللفظة، إذا دلت على القلة والكثرة، وصدرت من حكيم، فلو أراد القلة لبينها. وحيث لا قرينة، وجب حمله على الكل. وزاد من وافقه من العامة: أنه ثبت إطلاق اللفظ على كل مرتبة من مراتب الجموع، فإذا حملناه على الجميع فقد حملناه على جميع حقائقه، فكان أولى.