في القرآن واستعمال أهل اللغة استثناء تعقب جملتين، عاد إليهما تارة، عاد إلى إحديهما (1) أخرى. وإنما يدعي من خصه بإحديهما (2) أنه، إذا عاد إليهما، فلدلالة دلت، ومن أرجعه إليهما: أنه إذا اختص بالجملة التي تليه فللدلالة. وهذا من الجماعة اعتراف بأنه مستعمل في الامرين. وإذا كان الامر على هذا، فيجب أن يكون تعقب الاستثناء الجملتين محتملا لرجوعه إلى الأقرب، كما أنه محتمل لعمومه للامرين، و حقيقة في كل واحد منهما. فلا يجوز القطع على أحد الامرين إلا بدلالة منفصلة.
الثالث: أنه لابد في الاستثناء المتعقب لجملتين من أن يكون إما راجعا إليهما معا، أو إلى واحدة منهما، لأنه من المحال أن لا يكون راجعا إلى شئ منهما.
وقد نظرنا في كل شئ يعتمده من قطع على رجوعه إليهما، فلم نجد فيه دلالة على وجوب (3) ما ادعاه. ونظرنا أيضا فيما يتعلق به من قطع على عوده إلى الأقرب إليه من الجملتين، من غير تجاوز لها، فلم نجد فيه ما يوجب القطع على اختصاصه بالجملة التي تليه (4)، دون ما تقدمها. فوجب - مع عدم القطع على كل واحد من الامرين - أن نقف (5) فيهما، ولا نقطع على شئ منهما، إلا بدلالة.
الرابع: أن القائل إذا قال: " ضربت غلماني، وأكرمت جيراني، و أخرجت زكاتي (6)، قائما "، أو قال: " صباحا "، أو " مساء "، أو " في مكان كذا " احتمل ما عقب بذكره من الحال، أو ظرف (7) الزمان أو ظرف المكان: أن يكون العامل فيه والمتعلق (8) به جميع ما عدد (9) من الافعال، كما يحتمل أن يكون المتعلق به ما هو أقرب إليه. وليس لسامع ذلك أن يقطع على أن العامل فيما