فقال بعضهم: إن النزاع في جواز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص. وهو الذي يلوح من كلام العلامة في التهذيب، وصرح به في النهاية. وأنكر ذلك جمع من المحققين، قائلين، إن العمل بالعموم قبل البحث عن المخصص ممتنع إجماعا. وإنما الخلاف في مبلغ البحث. فقال الأكثر: يكفي بحيث يغلب (2) معه الظن بعدم المخصص، وقال بعض (3): إنه لا يكفي ذلك، بل لابد من القطع بانتفائه.
والظاهر: أن الخلاف موجود في المقامين لنقل جماعة القول بجواز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص عن بعض المتقدمين، وتصريح آخرين باختياره. لكنه ضعيف.
وربما قيل إن مراد قائله: أنه قبل وقت العمل وقبل ظهور المخصص، يجب اعتقاد عمومه جزما، ثم إن لم يتبين (4) الخصوص، فذاك، والا تغير الاعتقاد.
وينقل عن بعض العلماء أنه قال - بعد ذكره لهذا الكلام عن ذلك القائل -:
" وهذا غير معدود عندنا من مباحث العقلاء ومضطرب العلماء. وإنما هو قول صدر عن غباوة واستمرار في عناد ".
إذا عرفت هذا: فالأقوى عندي: أنه لا يجوز المبادرة إلى الحكم (5) بالعموم، قبل البحث عن المخصص (6)، بل يجب التفحص عنه، حتى يحصل الظن الغالب بانتفائه، كما يجب ذلك في كل دليل يحتمل أن يكون له معارض احتمالا راجحا، فإنه في الحقيقة جزئي من جزئياته.
لنا: أن المجتهد يجب عليه البحث عن الأدلة، وكيفية دلالتها.
والتخصيص كيفية في الدلالة. وقد شاع أيضا حتى قيل: " ما من عام إلا وقد خص "، فصار احتمال ثبوته مساويا لاحتمال عدمه، وتوقف ترجيح