قال الصفار: هذا الذي صار إليه سيبويه - من أنه حذف من الأول المعطوف عليه، ومن الثاني المعطوف - ضعيف لا ينبغي أن يصار إليه إلا عند الضرورة، لأن فيه حذفا كثيرا مع إبقاء حرف العطف، وهو الواو. ألا ترى أن ما قبلها مستأنف، والأصل مثلك ومثلهم، إلا أن يدعى أن الأصل ومثلك ومثلهم، ثم حذف " مثلك " والواو التي عطفت ما بعدها، وبقيت الواو الأولى. ويزعم أن الكلام ربط مع ما قبله بالواو، وليس بينهما ارتباط.
وفيه ما ترى!
وقال ابن الحجاج: عندي أنه لا حذف في الآية، والقصد تشبيه الكفار في عبادتهم الأصنام بالذي ينعق بما لا يسمع، فهو تمثيل داع بداع محقق لا حذف فيه، والكفار على هذا داعون، وعلى التأويل الأول مدعوون.
ونظيرها قوله تعالى: (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) فإن فيه جملتين، حذف نصف كل واحدة منهما اكتفاء بنصف الأخرى. وأصل الكلام: أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ممن يمشي سويا على صراط مستقيم، أمن يمشي سويا على صراط مستقيم أهدى ممن يمشي مكبا!
وإنما قلنا: إن أصله هكذا، لأن أفعل التفضيل لا بد في معناه من المفضل عليه.
وهاهنا وقع السؤال عمن في نفس الأمر: هل هذا أهدى من ذلك أم ذاك أهدى من هذا؟
فلا بد من ملاحظة أربعة أمور، وليس في الآية إلا نصف إحدى الجملتين ونصف الأخرى، والذي حذف من هذه مذكور في تلك، والذي حذف من تلك مذكور في هذه، فحصل المقصود مع الإيجاز والفصاحة. ثم ترك أمر آخر لم يتعرض له، وهو الجواب الصحيح لهذين الاستفهامين، وأيهما هو الأهدى؟ لم يذكره في الآية أصلا، اعتمادا على أن العقل يقول: الذي يمشي على صراط مستقيم أهدى ممن يمشي مكبا على وجهه.