فإن الذات لا تتصف بالحل والحرمة شرعا، إنما هما من صفات الأفعال الواقعة على الذوات، فعلم أن المحذوف التناول، ولكنه لما حذف وأقيمت الميتة مقامه أسند إليها الفعل، وقطع النظر عنه، فلذلك أنث الفعل في بعض الصور، كقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة)، وقول صاحب التلخيص: إن هذه الآية من باب دلالة العقل ممنوع، لأن العقل لا يدرك محل الحل ولا الحرمة، فلهذا جعلناه من دلالة العادة الشرعية.
ومنها: أن يدل العقل عليهما، أي على الحذف والتعيين، كقوله تعالى: (وجاء ربك)، أي أمره أو عذابه أو ملائكته، لأن العقل دل على أصل الحذف، ولاستحالة مجئ البارئ عقلا، لأن المجئ من سمات الحدوث. ودل العقل أيضا على التعيين، وهو الأمر ونحوه، وكلام الزمخشري يقتضي أنه لا حذف البتة، فإنه قال: هذه الآية الكريمة تمثيل، مثلت حاله سبحانه وتعالى في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه.
وكقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله)، لأنه في معرض التوحيد فعدم الفساد دليل على عدم تعدد الآلهة، وإنما حذف لأن انتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم ضرورة، ولذلك لم يذكر المقدمة الثانية عند استعمال الشرط بلوغا لها.
ومنها: أن يدل العقل على أصل الحذف، وتدل عادة الناس على تعيين المحذوف، كقوله تعالى: (فذلك الذي لمتنني فيه) فإن يوسف عليه السلام ليس ظرفا للومهن، فتعين أن يكون غيره، فقد دل العقل على أصل الحذف. ثم يجوز أن يكون الظرف جثة، بدليل: (شغفا حبا)، أو مراودته بدليل: (تراود فتاها)، ولكن