وأما قوله تعالى: (نذيرا للبشر)، فإن كان " نذيرا " بمعنى المنذر، فهو مثل: (فعال لما يريد)، وإن كان بمعنى الإنذار، فاللام مثلها في:
" سقيا لزيد ".
وقد تجئ اللام للتوكيد بعد النفي، وتسمى لام الجحود، وتقع بعد " كان " مثل:
(وما كان الله ليعذبهم)، وهذه اللام لتأكيد النفي، كالباء الداخلة في خبر " ليس "، ومعنى قوله: " إنها للتأكيد " أنك إذا قلت: " ما كنت أضربك "، بغير لام، جاز أن يكون الضرب مما يجوز كونه، فإذا قلت: " ما كنت لأضربك "، فاللام جعلت بمنزلة مالا يكون أصلا.
* * * وقد تأتي مؤكدة في موضع، وتحذف في آخر لاقتضاء المقام ذلك.
ومن أمثلته قوله تعالى: (ثم إنكم بعد ذلك لميتون. ثم إنكم يوم القيامة تبعثون)، فإنه سبحانه أكد إثبات الموت الذي لا ريب فيه تأكيدين، وأكد إثبات البعث الذي أنكروه تأكيدا واحدا، وكان المتبادر العكس، لأن التأكيد إنما يكون حيث الانكار، لكن في النظم وجوه:
أحدها: أن البعث لما قامت البراهين القطعية عليه صار المنكر له كالمنكر للبديهيات، فلم يحتج إلى تأكيد، وأما الموت فإنه - وإن أقروا به - لكن لما لم يعلموا ما بعده نزلوا منزلة من لم يقر به فاحتاج إلى تأكيد ذلك، لأنه ثم قد ينزل المنكر كغير المنكر إذا كان معه ما لو تأمله ارتدع من الانكار. ولما ظهر على المخاطبين من التمادي في الغفلة والإعراض عن العمل