لما بعده والانهماك في الدنيا، وهي من أمارات إنكار الموت، فلهذا قال: " ميتون " ولم يقل: تموتون، وإنما أكد إثبات البعث الذي أنكروه تأكيدا واحدا، لظهور أدلته المزيلة للإنكار، إذا تأملوا فيها، ولهذا قيل: " تبعثون " على الأصل، وهو الاستقبال بخلاف " تموتون ".
الثاني: أن دخول اللام على " ميتون " أحق، لأنه تعالى يرد على الدهرية القائلين ببقاء النوع الإنساني، خلفا عن سلف، وقد أخبر تعالى عن البعث في مواضع من القرآن، وأكده وكذب منكره، كقوله: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن) قاله الشيخ تاج الدين بن الفركاح.
الثالث: أنه لما كان العطف يقتضى الاشتراك في الحكم استغنى به عن إعارة لفظ اللام، وكأنه قيل: " لتبعثون " واستغنى بها في الثاني لذكرها في الأول.
الرابع: قال الزمخشري: بولغ في تأكيد الموت، تنبيها للإنسان أن يكون الموت نصب عينيه، ولا يغفل عن ترقبه، فإن مآله إليه، فكأنه أكدت جملته ثلاث مرات، لهذا المعنى لأن الانسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي، حتى كأنه مخلد، ولم يؤكد جملة البعث إلا ب " إن " لأنه أبرز بصورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع، ولا يقبل إنكارا.
قلت: وهذه الأجوبة من جهة المعنى وأما الصناعة فتوجب ما جاءت الآية الشريفة عليه وهو حذف اللام في " تبعثون "، لأن اللام تخلص المضارع للحال، فلا يجاء [به] مع يوم القيامة، لأنه مستقبل، ولأن " تبعثون " عامل في الظرف المستقبل.
وأما قوله: (وأن ربك ليحكم بينهم)، فيمكن تأويلها بتقدير عامل.