ولذلك كان اتصال قوله: (وإذا مس الانسان ضر دعا ربه) للسبب الواقع فيها، وخلو الأول، منه من الأمر اشتراك جملة مع جملة، ومناسبة أوجبت العطف بالواو الموضوعة لمطلق الجمع، كقولهم: قام زيد وعمرو. وتسبيب السبب مع ما في ظاهر الآية من اشمئزازهم ليس يقتضى التجاءهم إلى الله تعالى، وإنما يقتضى إعراضهم عنه من جهة أن سياق الآية يقتضى إثبات التناقض، وذلك أنك تقول: زيد يؤمن بالله تعالى، فإذا مسه الضر لجأ إليه فهذا سبب ظاهر مبنى على اطراد الأمر، وتقول: زيد كافر بالله، فإذا مسه ضر لجأ إليه، فتجئ بالفاء هنا كالأول لغرض التزام التناقض، أو العكس، حيث أنزل الكافر كفره منزلة الإيمان في فصل سبب الالتجاء، فأنت تلزمه العكس، بأنك إنما تقصد بهذا الكلام الانكار والتعجب من فعله.
وقوله: (وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) بقوله: (الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل. له مقاليد السماوات والأرض) اعتراض واقع في أثناء كلام متصل، وهو قوله: (وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون)، (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون)، وهو على مهيع أسلوب القرآن، من ذكر الضد عقب الضد، كما قيل:
* وبضدها تتبين الأشياء * ومنها الإدلاء بالحجة، كقوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر)، فاعترض بقوله: (فاسألوا) بين قوله: (نوحي إليهم) وبين قوله: (بالبينات والزبر) إظهار لقوة الحجة عليهم.