إلى أسعد حال، والتقدير حينئذ " فامتازوا عنكم إلى الجنة "، هكذا قرره السكاكي في " المفتاح ".
قيل: وفيه نظر، لأنها إذا كانت طلبية ومعناها أمر المؤمنين بالذهاب إلى الجنة، فليكن الخطاب معهم لا مع أهل المحشر.
ولهذا قال بعضهم: إن تضمين أصحاب أهل الجنة للطلب ليس المراد منه أن الجملة نفسها طلبية، بل معناه أن يقدر جملة إنشائية بعدها، بخلاف قوله: (وقولوا للناس حسنا).
ومنه قوله تعالى: (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم)، فإنه يقال: كيف جاء الجزم في جواب الخبر؟ وجوابه أنه لما كان في معنى الأمر جاز ذلك، إذ المعنى: آمنوا وجاهدوا.
وقال ابن جنى: لا يكون " يغفر " جوابا ل " هل أدلكم " وإن كان أبو العباس قد قاله، لأن المغفرة تحصل بالإيمان لا بالدلالة. انتهى. وقد يقال الدلالة: سبب السبب.
إذا علمت هذا، فإنما يجئ الأمر بلفظ الخبر الحاصل تحقيقا لثبوته، وأنه مما ينبغي أن يكون واقعا ولا بد، وهذا هو المشهور.
وفيه طريقة أخرى نقلت عن القاضي أبي بكر وغيره، وهي أن هذا خبر حقيقة غير مصروف عن جهة الخبرية، ولكنه خبر عن حكم الله وشرعه ليس خبرا عن الواقع، حتى يلزم ما ذكره من الإشكال، وهو احتمال عدم وقوع مخبره، فإن هذا إنما يلزم الخبر عن الواقع، أما الخبر عن الحكم فلا، لأنه لا يقع خلافه أصلا.