الجبال أكنانا)، وقوله في صدر السورة: (والأنعام خلقها لكم فيها دف ء).
فإن قيل: فما الحكمة في ذكر الوقايتين بعد قوله: (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) فإن هذه وقاية الحر، ثم قال: (وجعل لكم من الجبال أكنانا)، فهذه وقاية البرد على عادة العرب؟
قيل: لأن ما تقدم بالنسبة إلى المساكن، وهذه إلى الملابس، وقوله: (وجعل لكم من الجبال أكنانا) لم يذكره السهيلي، وفيه الجوابان السابقان.
وأمثله هذا القسم كثيرة، كقوله تعالى: (وله ما سكن في الليل والنهار) فإنه قيل: المراد: " وما تحرك "، وإنما آثر ذكر السكون لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد، ولأن الساكن أكثر عددا من المتحرك. أو لأن كل متحرك يصير إلى السكون، ولأن السكون هو الأصل، والحركة طارئة.
وقوله: (بيدك الخير) تقديره " والشر "، إذ مصادر الأمور كلها بيده جل جلاله، وإنما آثر ذكر الخير، لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم إليه، أو لأنه أكثر وجودا في العالم من الشر، ولأنه يجب في باب الأدب ألا يضاف إلى الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم:
" والشر ليس إليك ".
وقيل: إن الكلام إنما ورد ردا على المشركين فيما أنكروه مما وعده الله به على لسان جبريل، من فتح بلاد الروم وفارس، ووعد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فلما كان الكلام في الخير خصه بالذكر باعتبار الحال.