ومنها: قال أبو الفتح بن جنى: ومن حق الحذف أن يكون في الأطراف لا في الوسط، لأن طرف الشيء أضعف من قلبه ووسطه، قال تعالى: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، وقال الطائي الكبير:
كانت هي الوسط الممنوع فاستلبت ما حولها الخيل حتى أصبحت طرفا فكأن الطرفين سياج للوسط ومبذولان للعوارض دونه، ولذلك تجد الإعلال عند التصريفيين، بالحذف منها، فحذفوا الفاء في المصادر من باب وعد، نحو العدة والزنة والهبة، واللام في نحو اليد والدم والفم والأب والأخ، وقلما تجد الحذف في العين لما ذكرنا، وبهذا يظهر لطف هذه اللغة العربية.
تنبيهات الأول: قد توجب صناعة النحو التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه، كما في قوله:
" لا إله إلا الله " فإن الخبر محذوف، وقدره النحاة ب " موجود " أو " لنا ".
وأنكره الإمام فخر الدين، وقال: هذا كلام لا يحتاج إلى تقدير، وتقديرهم فاسد، لأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة، فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد، وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر.
ولا معنى لهذا الانكار، فإن تقدير " في الوجود "، يستلزم نفي كل إله غير الله قطعا فإن العدم لا كلام فيه، فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة. ثم لا بد من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر، ظاهرا أو مقدرا، وإنما يقدر النحوي ليعطى القواعد حقها وإن كان المعنى مفهوما، وتقديرهم هنا أو غيره ليروا صورة التركيب من حيث