مجرى الكل فعبر عنه بلفظ * (ما) * وأيضا فهذه الأشياء إنما أسندت إليه من حيث إنها مخلوقة، وهي من حيث إنها مخلوقة غير عاقلة، فعبر عنها بلفظ * (ما) * للتنبيه على أن المراد من هذه الإضافة إليه الإضافة من هذه الجهة.
واعلم أن الأصحاب قد احتجوا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، قالوا: لأن قوله * (له ما في السماوات وما في الأرض) * يتناول كل ما في السماوات والأرض، وأفعال العباد من جملة ما في السماوات والأرض، فوجب أن تكون منتسبة إلى الله تعالى انتساب الملك والخلق، وكما أن اللفظ يدل على هذا المعنى فالعقل يؤكده، وذلك لأن كل ما سواه فهو ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يترجح إلا بتأثير واجب الوجود لذاته، وإلا لزم ترجح الممكن من غير مرجح وهو محال.
أما قوله تعالى: * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * ففيه مسألتان: المسألة الأولى: قوله * (من ذا الذي) * استفهام معناه الإنكار والنفي، أي لا يشفع عنده أحد إلا بأمره وذلك أن المشركين كانوا يزعمون أن الأصنام تشفع لهم وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يقولون * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * (الزمر: 3) وقولهم * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18) ثم بين تعالى أنهم لا يجدون هذا المطلوب. فقال: * (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم) * (يونس: 18) فأخبر الله تعالى أنه لا شفاعة عنده لأحد إلا من استثناه الله تعالى بقوله * (إلا بإذنه) * ونظيره قوله تعالى: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) * (النبأ: 38).
المسألة الثانية: قال القفال: إنه تعالى لا يأذن في الشفاعة لغير المطيعين، إذ كان لا يجوز في حكمته التسوية بين أهل الطاعة وأهل المعصية، وطول في تقريره.
وأقول: إن هذا القفال عظيم الرغبة في الاعتزال حسن الاعتقاد في كلماتهم، ومع ذلك فقد كان قليل الإحاطة بأصولهم، وذلك لأن من مذهب البصريين منهم أن العفو عن صاحب الكبيرة حسن في العقول، إلا أن السمع دل على أن ذلك لا يقع، وإذا كان كذلك كان الاستدلال العقلي على المنع من الشفاعة في حق العصاة خطأ على قولهم، بل على مذهب الكعبي أن العفو عن المعاصي قبيح عقلا، فإن كان القفال على مذهب الكعبي، فحينئذ يستقيم هذا الاستدلال، إلا أن الجواب عنه يرد ذلك من وجوه الأول: أن العقاب حق الله تعالى وللمستحق أن يسقط حق نفسه، بخلاف الثواب فإنه حق العبد فلا يكون لله تعالى أن يسقطه، وهذا الفرق ذكره البصريون في الجواب عن شبهة الكعبي والثاني: أن قوله: لا يجوز التسوية بين المطيع والعاصي إن أراد به أنه لا يجوز التسوية بينهما في أمر من الأمور فهو جهل، لأنه تعالى قد سوى بينهما في الخلق والحياة والرزق وإطعام الطيبات، والتمكين من المرادات وإن كان المراد أنه