لا يجوز التسوية بينهما في كل الأمور فنحن نقول بموجبه، فكيف لا يقول ذلك والمطيع لا يكون له جزع، ولا يكون خائفا من العقاب، والمذنب يكون في غاية الخوف وربما يدخل النار ويتألم مدة، ثم يخلصه الله تعالى عن ذلك العذاب بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن القفال رحمه الله كان حسن الكلام في التفسير دقيق النظر في تأويلات الألفاظ إلا أنه كان عظيم المبالغة في تقرير مذهب المعتزلة مع أنه كان قليل الحظ من علم الكلام قليل النصيب من معرفة كلام المعتزلة.
أما قوله تعالى: * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": الضمير لما في السماوات والأرض، لأن فيهم العقلاء، أو لما دل عليه * (من ذا) * من الملائكة والأنبياء.
المسألة الثانية: في الآية وجوه أحدها: قال مجاهد، وعطاء، والسدي * (ما بين أيديهم) * ما كان قبلهم من أمور الدنيا * (وما خلفهم) * ما يكون بعدهم من أمر الآخرة والثاني: قال الضحاك والكلبي * (يعلم ما بين أيديهم) * يعني الآخرة لأنهم يقدمون عليها * (وما خلفهم) * الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم والثالث: قال عطاء عن ابن عباس * (يعلم ما بين أيديهم) * من السماء إلى الأرض * (وما خلفهم يريد ما في السماوات والرابع: * (يعلم ما بين أيديهم) * بعد انقضاء آجالهم * (وما خلفهم) * أي ما كان من قبل أن يخلقهم والخامس: ما فعلوا من خير وشر وما يفعلونه بعد ذلك.
واعلم أن المقصود من هذا الكلام: أنه سبحانه عالم بأحوال الشافع والمشفوع له فيما يتعلق باستحقاق العقاب والثواب، لأنه عالم بجميع المعلومات لا يخفى عليه خافية، والشفعاء لا يعلمون من أنفسهم أن لهم من الطاعة ما يستحقون به هذه المنزلة العظيمة عند الله تعالى، ولا يعلمون أن الله تعالى هل أذن لهم في تلك الشفاعة وأنهم يستحقون المقت والزجر على ذلك، وهذا يدل على أنه ليس لأحد من الخلائق أن يقدم على الشفاعة إلا بإذن الله تعالى.
المسألة الثالثة: هؤلاء المذكورون في هذه الآية يحتمل أن يكون هم الملائكة، وسائر من يشفع يوم القيامة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
أما قوله * (ولا يحيطون بشيء من علمه) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: المراد بالعلم ههنا كما يقال: اللهم اغفر لنا علمك فينا، أي معلومك وإذا ظهرت آية عظيمة، قيل: هذه قدرة الله، أي مقدوره والمعنى: أن أحدا لا يحيط بمعلومات الله تعالى.