المسألة الثانية: احتج بعض الأصحاب بهذه الآية في إثبات صفة العلم لله تعالى وهو ضعيف لوجوه أحدها: أن كلمة * (من) * للتبعيض، وهي داخلة هاهنا على العلم. فلو كان المراد من العلم نفس الصفة لزم دخول التبعيض في صفة الله تعالى وهو محال والثاني: أن قوله * (بما شاء) * لا يأتي في العلم إنما يأتي في المعلوم والثالث: أن الكلام إنما وقع هاهنا في المعلومات، والمراد أنه تعالى عالم بكل المعلومات، والخلق لا يعلمون كل المعلومات، بل لا يعلمون منها إلا القليل.
علمه أقصاه قد أحاط به، وذلك لأنه علم بأول الشيء وآخره بتمامه صار العلم كالمحيط به.
أما قوله * (إلا بما شاء) * ففيه قولان أحدها: أنهم لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا ما شاء هو أن يعلمهم كما حكي عنهم أنهم قالوا * (لا علم لنا إلا ما علمتنا) * والثاني: أنهم لا يعلمون الغيب إلا عند إطلاع الله بعض أنبيائه على بعض الغيب، كما قال: * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحدا إلا من ارتضى من رسول) *.
أما قوله تعالى: * (وسع كرسيه السماوات والأرض) * فاعلم أنه يقال: وسع فلانا الشيء يسعه سعة إذا احتمله وأطاقه وأمكنه القيام به، ولا يسعك هذا، أي لا تطبقه ولا تحتمله ومنه قوله عليه السلام: " لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أتباعي " أي لا يحتمل غير ذلك وأما الكرسي فأصله في اللغة من تركب الشيء بعضه على بعض، والكرسي أبوال الدواب وأبعارها يتلبد بعضها فوق بعض، وأكرست الدار إذا كثرت فيها الأبعار والأبوال وتلبد بعضها على بعض، وتكارس الشيء إذا تركب، ومنه الكراسة لتركب بعض أوراقها على بعض * (والكرسي) * هو هذا الشيء المعروف لتركب خشباته بعضها فوق بعض.
واختلف المفسرون على أربعة أقوال الأول: أنه جسم عظيم يسع السماوات والأرض، ثم اختلفوا فيه فقال الحسن * (الكرسي) * هو نفس العرش، لأن السرير قد يوصف بأنه عرش، وبأنه كرسي، لكون كل واحد منهما بحيث يصح التمكن عليه، وقال بعضهم: بل الكرسي غير العرش، ثم اختلفوا فمنهم من قال: إنه دون العرش وفوق السماء السابعة، وقال آخرون إنه تحت الأرض وهو منقول عن السدي.
واعلم أن لفظ الكرسي ورد في الآية وجاء في الأخبار الصحيحة أنه جسم عظيم تحت العرش وفوق السماء السابعة ولا امتناع في القول به فوجب القول باتباعه، وأما ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: موضع القدمين، ومن البعيد أن يقول