كل متحيز فهو منقسم، وقد ثبت أن التركيب عليه ممتنع، وإذا ثبت أنه ليس بمتحيزا امتنع كونه في الجهة، لأنه لا معنى للمتحيز إلا ما يمكن أن يشار إليه إشارة حسية، وإذا ثبت أنه ليس بمتحيز وليس في الجهة، امتنع أن يكون له أعضاء وحركة وسكون.
وثانيها: أنه لما كان قيوما كان قائما بذاته، وكونه قائما بذاته يستلزم أمور:
اللازم الأول: أن لا يكون عرضا في موضوع، ولا صورة في مادة، ولا حالا في محل أصلا لأن الحال مفتقر إلى المحل والمفتقر إلى الغير لا يكون قيوما بذاته.
واللازم الثاني: قال بعض العلماء: لا معنى للعلم إلا حضور حقيقة المعلوم للعالم، فإذا كان قيوما بمعنى كونه قائما بنفسه لا بغيره كانت حقيقته حاضرة عند ذاته، وإذا كان لا معنى للعلم إلا هذا الحضور، وجب أن تكون حقيقته معلومة لذاته فإذن ذاته معلومة لذاته، وكل ما عداه فإنه إنما يحصل بتأثيره، ولأنا بينا أنه قيوم بمعنى كونه مقوما لغيره، وذلك التأثير إن كان بالاختيار فالفاعل المختار لا بد وأن يكون له شعور بفعله وإن كان بالإيجاب لزم أيضا كونه عالما بكل ما سواه لأن ذاته موجبة لكل ما سواه، وقد دللنا على أنه يلزم من كونه قائما بالنفس لذاته كونه عالما بذاته، والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول، فعلى التقديرات كلها يلزم من كونه قيوما كونه عالما بجميع المعلومات.
وثالثها: لما كان قيوما لكل ما سواه كان كل ما سواه محدثا، لأن تأثيره في تقويم ذلك الغير يمتنع أن يكون حال بقاء ذلك الغير لأن تحصيل الحاصل محال فهو إما حال عدمه وإما حال حدوثه وعلى التقديرين وجب أن يكون الكل محدثا.
ورابعها: أنه لما كان قيوما لكل الممكنات استندت كل الممكنات إليه إما بواسطة أو بغير واسطة، وعلى التقديرين كان القول بالقضاء والقدر حقا، وهذا مما قد فصلناه وأوضحناه في هذا الكتاب في آيات كثيرة فأنت إن ساعدك التوفيق وتأملت في هذه المعاقد التي ذكرناها علمت أنه لا سبيل إلى الإحاطة بشيء من المسائل المتعلقة بالعلم الإلهي إلا بواسطة كونه تعالى حيا قيوما فلا جرم لا يبعد أن يكون الاسم الأعظم هو هذا، وأما سائر الآيات الإلهية، كقوله * (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو) * (البقرة: 163) وقوله * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * (آل عمران: 18) ففيه بيان التوحيد بمعنى نفي الضد والند، وأما قوله * (قل هو الله أحد) * (الصمد: 1) ففيه بيان التوحيد بمعنى نفي الضد والند، وبمعنى أن حقيقته غير مركبة من الأجزاء، وأما قوله * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) * (الأعراف: 54) ففيه بيان صفة الربوبية وليس فيه بيان وحدة الحقيقة، أما قوله * (الحي القيوم) * فإنه يدل على الكل لأن كونه قيوما يقتضي أن يكون قائما بذاته، وأن يكون مقوما لغيره وكونه قائما بذاته يقتضي الوحدة بمعنى نفي الكثرة في