الأرض) * (فاطر: 9) والصفة المسماة في عرف المتكلمين، إنما سميت بالحياة لأن كمال حال الجسم أن يكون موصوفا بتلك الصفة فلا جرم سميت تلك الصفة حياة وكمال حال الأشجار أن لا تكون مورقة خضرة فلا جرم سميت هذه الحالة حياة وكمال الأرض أن تكون معمورة فلا جرم سميت هذه الحالة حياة فثبت أن المفهوم الأصلي من لفظ الحي كونه واقعا على أكمل أحواله وصفاته، وإذا كان كذلك فقد زال الإشكال لأن المفهوم من الحي هو الكامل، ولما لم يكن ذلك مقيدا بأنه كامل في هذا دون ذاك دل على أنه كامل على الإطلاق، فقوله الحي يفيد كونه كاملا على الإطلاق، والكامل هو أن لا يكون قابلا للعدم، لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقة ولا في صفاته النسبية والإضافية، ثم عند هذا إن خصصنا القيوم بكونه سببا لتقويم غيره فقد زال الإشكال، لأن كونه سببا لتقويم غيره يدل على كونه متقوما بذاته، وكونه قيوما يدل على كونه مقوما لغيره، وإن جعلنا القيوم اسما يدل على كونه يتناول المتقوم بذاته والمقوم لغيره كان لفظ القيوم مفيدا فائدة لفظ الحي مع زيادة، فهذا ما عندي في هذا الباب والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (القيوم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: القيوم في اللغة مبالغة في القائم، فلما اجتمعت الياء والواو ثم كان السابق ساكنا جعلتا ياء مشددة، ولا يجوز أن يكون على فعول، لأنه لو كان كذا لكان قووما، وفيه ثلاث لغات: قيوم، وقيام وقيم، ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ: الحي القيام ومن الناس من قال هذه اللفظة عبرية لا عربية، لأنهم يقولون: حيا قيوما، وليس الأمر كذلك، لأنا بينا أن له وجها صحيحا في اللغة، ومثله ما في الدار ديار وديور، ودير، وهو من الدوران، أي ما بها خلق يدور، يعني: يجيء ويذهب، وقال أمية بن أبي الصلت: قدرها المهيمن القيوم (c) المسألة الثانية: اختلفت عبارات المفسرين في هذا الباب، فقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء، وتأويله أنه قائم بتدبير أمر الخلق في إيجادهم، وفي أرزاقهم، ونظيره من الآيات قوله تعالى: * (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) * (الرعد: 33) وقال: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * (آل عمران: 18) إلى قوله * (قائما بالقسط) * وقال: * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) * (فاطر: 41) وهذا القول يرجع حاصله إلى كونه مقوما لغيره، وقال الضحاك: القيوم الدائم الوجود الذي يمتنع عليه التغير، وأقول: هذا القول يرجع معناه إلى كونه قائما بنفسه في ذاته وفي وجوده، وقال بعضهم: القيوم الذي لا ينام بالسريانية، وهذا القول بعيد، لأنه يصير قوله * (لا تأخذه سنة