الجزية سقط القتل عنهم، وأما سائر الكفار فإذا تهودوا أو تنصروا فقد اختلف الفقهاء فيهم، فقال بعضهم: إنه يقر عليه؛ وعلى هذا التقدير يسقط عنه القتل إذا قبل الجزية، وعلى مذهب هؤلاء كان قوله * (لا أكراه في الدين) * عاما في كل الكفار، أما من يقول من الفقهاء بأن سائر الكفار إذا تهودوا أو تنصروا فإنهم لا يقرون عليه، فعلى قوله يصح الإكراه في حقهم، وكان قوله * (لا أكراه) * مخصوصا بأهل الكتاب.
والقول الثالث: لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب إنه دخل مكرها، لأنه إذا رضي بعد الحرب وصح إسلامه فليس بمكره، ومعناه لا تنسبوهم إلى الإكراه، ونظيره قوله تعالى: * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * (النساء: 94).
أما قوله تعالى: * (قد تبين الرشد من الغي) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: يقال: بان الشيء واستبان وتبين إذا ظهر ووضح، ومنه المثل: قد تبين الصبح لذي عينين، وعندي أن الإيضاح والتعريف إنما سمي بيانا لأنه يوقع الفصل والبينونة بين المقصود وغيره، والرشد في اللغة معناه إصابة الخير، وفيه لغتان: رشد ورشد والرشاد مصدر أيضا كالرشد، والغي نقيض الرشد، يقال غوي يغوي غيا وغواية، إذا سلك غير طريق الرشد.
المسألة الثانية: * (تبين الرشد من الغي) * أي تميز الحق من الباطل، والإيمان من الكفر والهدى من الضلالة بكثرة الحجج والآيات الدالة، قال القاضي: ومعنى * (قد تبين الرشد) * أي أنه قد اتضح وانجلى بالأدلة لا أن كل مكلف تنبه لأن المعلوم ذلك وأقول: قد ذكرنا أن معنى * (تبين) * انفصل وامتاز، فكان المراد أنه حصلت البينونة بين الرشد والغي بسبب قوة الدلائل وتأكيد البراهين، وعلى هذا كان اللفظ مجري على ظاهره.
أما قوله تعالى: * (فمن يكفر بالطاغوت) * فقد قال النحويون: الطاغوت وزنه فعلوت، نحو جبروت، والتاء زائدة وهي مشتقة من طغا، وتقديره طغووت، إلا أن لام الفعل قلبت إلى موضع العين كعادتهم في القلب، نحو: الصاقعة والصاعقة، ثم قلبت الواو ألفا لوقوعها في موضع حركة وانفتاح ما قبلها، قال المبرد في الطاغوت: الأصوب عندي أنه جمع قال أبو علي الفارسي: وليس الأمر عندنا كذلك، وذلك لأن الطاغوت مصدر كالرغبوت والرهبوت والملكوت، فكما أن هذه الأسماء آحاد كذلك هذا الاسم مفرد وليس بجمع، ومما يدل على أنه مصدر مفرد قوله