ولا يريد بكم العسر) * (البقرة: 185) ولا بد وأن يكون هذا اليسر والعسر شيئا تقدم ذكرهما، وليس هناك يسر إلا أنه أذن للمريض والمسافر في الفطر، وليس هناك عسر إلا كونهما صائمين فكان قوله: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * معناه يريد منكم الإفطار ولا يريد منكم الصوم فذلك تقرير قولنا، وأما الخبر فإثنان الأول: قوله عليه السلام: " ليس من البر الصيام في السفر " لا يقال هذا الخبر وارد عن سبب خاص، وهو ما روي أنه عليه الصلاة والسلام مر على رجل جالس تحت مظلة فسأل عنه فقيل هذا صائم أجهده العطش، فقال: " ليس من البر الصيام في السفر " لأنا نقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ".
أما حجة الجمهور: فهي أن في الآية إضمارا لأن التقدير: فأفطر فعدة من أيام أخر وتمام تقرير هذا الكلام أن الإضمار في كلام الله جائز في الجملة وقد دل الدليل على وقوعه ههنا أما بيان الجواز فكما في قوله تعالى: * (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * (البقرة: 60) والتقدير فضرب فانفجرت وكذلك قوله تعالى: * (ولا تحلقوا رؤسكم) * إلى قوله: * (أو به أذى من رأسه ففدية) * (البقرة: 96) أي فحلق فعليه فدية فثبت أن الإضمار جائز، أما أن الدليل دل على وقوعه ففي تقريره وجوه الأول: قال القفال: قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (البقرة: 185) يدل على وجوب الصوم ولقائل أن يقول هذا ضعيف وبيانه من وجهين الأول: أنا إذا أجرينا ظاهر قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (البقرة: 185) على العموم لزمنا الإضمار في قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وقد بينا في أصول الفقه أنه متى وقع التعارض بين التخصيص وبين الإضمار كان تحمل التخصيص أولى والثاني وهو أن ظاهر قوله تعالى: * (فليصمه) * يقتضي الوجوب عينا، ثم إن هذا الوجوب منتف في حق المريض والمسافر، فهذه الآية مخصوصة في حقهما على جميع التقديرات سواء أجرينا قوله تعالى فعليه: * (عدة من أيام أخر) * على ظاهره أو لم نفعل ذلك وإذا كان كذلك وجب إجراء هذه الآية على ظاهرها من غير إضمار.
الوجه الثاني: ما ذكره الواحدي في كتاب البسيط، فقال: القضاء إنما يجب بالإفطار لا بالمرض والسفر، فلما أوجب الله القضاء والقضاء مسبوق بالفطر، دل على أنه لا بد من إضمار الإفطار وهذا في غاية السقوط لأن الله تعالى لم يقل: فعليه قضاء ما مضى بل قال: فعليه صوم عدة من أيام أخر وإيجاب الصوم عليه في أيام أخر لا يستدعي أن يكون مسبوقا بالإفطار.
الوجه الثالث: ما روى أبو داود في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن حمزة