والجواب عن الثاني: أنه عليه السلام قال: " يمسح المقيم يوما وليلة " وهذا لا يدل على أنه لا تحصل الإقامة في أقل من يوم وليلة، لأنه لو نوى الإقامة في موضع الإقامة ساعة صار مقيما فكذا قوله: " والمسافر ثلاثة أيام " لا يوجب أن لا يحصل السفر في أقل من ثلاثة أيام.
المسألة الرابعة: لقائل أن يقول: رعاية اللفظ تقتضي أن يقال فمن كان منكم مريضا أو مسافرا ولم يقل هكذا بل قال: * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر) *.
وجوابه: أن الفرق هو أن المرض صفة قائمة بالذات: فإن حصلت حصلت وإلا فلا وأما السفر فليس كذلك لأن الإنسان إذا نزل في منزل فإن عدم الإقامة كان سكونه هناك إقامة لا سفرا وإن عدم السفر كان هو في ذلك الكون مسافرا فإذن كونه مسافرا أمر يتعلق بقصده واختياره، فقوله: * (على سفر) * معناه كونه على قصد السفر والله أعلم بمراده.
المسألة الخامسة: * (العدة) * فعلة من العد، وهو بمعنى المعدود كالطحن بمعنى المطحون ومنه يقال للجماعة المعدودة من الناس عدة وعدة المرأة من هذا.
فإن قيل: كيف قال: * (فعدة) * على التنكير ولم يقل فعدتها أي فعدة الأيام المعدودات.
قلنا: لأنا بينا أن العدة بمعنى المعدود فأمر بأن يصوم أياما معدودة مكانها والظاهر أنه لا يأتي إلا بمثل ذلك العدد فأغنى ذلك عن التعريف بالإضافة.
المسألة السادسة: * (عدة) * قرئت مرفوعة ومنصوبة، أما الرفع فعلى معنى فعليه صوم عدة فيكون هذا من باب حذف المضاف، وأما إضمار * (عليه) * فيدل عليه حرف الفاء. وأما النصب فعلى معنى: فليصم عدة.
المسألة السابعة: ذهب قوم من علماء الصحابة إلى أنه يجب على المريض والمسافر أن يفطرا ويصوما عدة من أيام أخر، وهو قول ابن عباس وابن عمر، ونقل الخطابي في أعلام التنزيل عن ابن عمر أنه قال لو صام في السفر قضي في الحضر، وهذا اختيار داود بن علي الأصفاني، وذهب أكثر الفقهاء إلى أن الإفطار رخصة فإن شاء أفطر وإن شاء صام حجة الأولين من القرآن والخبر أما القرآن فمن وجهين الأول: أنا إن قرأنا * (عدة) * بالنصب كان التقدير: فليصم عدة من أيام أخر وهذا للإيجاب، ولو أنا قرأنا بالرفع كان التقدير: فعليه عدة من أيام، وكلمة * (على) * للوجوب فثبت أن ظاهر القرآن يقتضي إيجاب صوم أيام أخر، فوجب أن يكون فطر هذه الأيام واجبا ضرورة أنه لا قائل بالجمع.
الحجة الثانية: أنه تعالى أعاد فيما بعد ذلك هذه الآية، ثم قال عقيبها * (يريد الله بكم اليسر