الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل أصوم على السفر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: " صم إن شئت وأفطر إن شئت " ولقائل أن يقول: هذا يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد لأن ظاهر القرآن يقتضي وجوب صوم سائر الأيام، فرفع هذا الخبر غير جائز إذا ثبت ضعف هذه الوجوه، فالاعتماد في إثبات المذهب على قوله تعالى بعد هذه الآية: * (وأن تصوموا خير لكم) * وسيأتي بيان وجه الاستدلال إن شاء الله تعالى.
المسألة الثامنة: لمذهب القائلين بأن الصوم جائز فرعان:
الفرع الأول: اختلفوا في أن الصوم أفضل أم الفطر؟ فقال أنس بن مالك وعثمان بن أبي أوفى الصوم أفضل وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك والثوري وأبي يوسف ومحمد، وقالت طائفة أفضل الأمرين الفطر وإليه ذهب ابن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وقالت فرقة ثالثة: أفضل الأمرين أيسرهما على المرء. حجة الأولين: قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وقوله تعالى: * (وأن تصوموا خير لكم) *.
حجة الفرقة الثانية: أن القصر في الصلاة أفضل، فوجب أن يكون الإفطار أفضل.
والجواب: أن من أصحابنا من قال: الإتمام أفضل إلا أنه ضعيف، والفرق من وجهين: أحدهما: أن الذمة تبقى مشغولة بقضاء الصوم دون الصلاة إذا قصرها والثاني: أن فضيلة الوقت تفوت بالفطر ولا تفوت بالقصر.
حجة الفرقة الثالثة: قوله تعالى: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * (البقرة: 185) فهذا يقتضي أنه إن كان الصوم أيسر عليه صام وإن كان الفطر أيسر أفطر.
الفرع الثاني: أنه إذا أفطر كيف يقضي؟ فمذهب علي وابن عمر والشعبي أنه يقضيه متتابعا وقال الباقون: التتابع مستحب وإن فرق جاز حجة الأولين وجهان الأول: أن قراءة أبي * (فعدة من أيام متتابعات) * والثاني: أن القضاء نظير الأداء فلما كان الأداء متتابعا، فكذا القضاء.
حجة الفرقة الثانية: أن قوله: * (فعدة من أيام أخر) * نكرة في سياق الإثبات، فيكون ذلك أمرا بصوم أيام على عدد تلك الأيام مطلقا، فيكون التقييد بالتتابع مخالفا لهذا التعميم، وعن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال: إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه، إن شئت فواتر وإن شئت ففرق والله أعلم.
وروي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم على أيام من رمضان أفيجزيني أن أقضيها متفرقا فقال له: " أرأيت لو كان عليك دين فقضيته الدرهم والدرهمين أما كان يجزيك؟ فقال: نعم. قال: