الطاقة فهو اسم لمن كان قادرا على الشيء مع الشدة والمشقة فقوله: * (وعلى الذين يطيقونه) * أي وعلى الذين يقدرون على الصوم مع الشدة والمشقة.
الوجه الثاني: في تقرير هذا القول القراءة الشاذة * (وعلى الذين يطيقونه) * فإن معناه وعلى الذين يجشمونه ويكلفونه، ومعلوم أن هذا لا يصح إلا في حق من قدر على الشئ مع ضرب من المشقة.
إذا عرفت هذا فنقول: القائلون بهذا القول اختلفوا على قولين أحدهما: وهو قول السدي: أنه هو الشيخ الهرم، فعلى هذا لا تكون الآية منسوخة، يروى أن أنسا كان قبل موته يفطر ولا يستطيع الصوم ويطعم ويطعم لكل يوم مسكينا وقال آخرون: إنها تتناول الشيخ الهرم والحامل والمرضع سئل الحسن البصري عن الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسهما وعلى ولديهما فقال: فأي مرض أشد من الحمل تفطر وتقضي.
واعلم أنهم أجمعوا على أن الشيخ الهرم إذا أفطر فعليه الفدية، أما الحامل والمرضع إذا أفطرتا فهل عليهما الفدية؟ فقال الشافعي رضي الله عنه: عليهما الفدية، فقال أبو حنيفة: لا تجب حجة الشافعي أن قوله: * (وعلى الذين يطيقونه فدية) * يتناول الحامل والمرض، وأيضا المدية واجبة على الشيخ الهرم فتكون واجبة أيضا عليهما، وأبو حنيفة فرق فقال: الشيخ الهرم لا يمكن إيجاب القضاء عليه فلا جرم وجبت الفدية، أما الحامل والمرضع فالقضاء واجب عليهما، فأوجبنا الفدية عليهما أيضا كان ذلك جمعا بين البدلين وهو غير جائز لأن القضاء بدل والفدية بدل، فهذا تفصيل هذه الأقوال الثلاثة في تفسير قوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه) *.
أما القول الأول: وهو اختيار الأصم فقد احتجوا على صحته من وجوه أحدها: أن المرض المذكور في الآية إما أن يكون هو المرض الذي يكون في الغاية، وهو الذي لا يمكن تحمله، أو المراد كل ما يسمى مرضا، أو المراد منه ما يكون متوسطا بين هاتين الدرجتين، والقسم الثاني باطل بالإتفاق، والقسم الثالث أيضا باطل، لأن المتوسطات لها مراتب كثيرة غير مضبوطة، وكل مرتبة منها فإنها بالنسبة إلى ما فوقها ضعيفة وبالنسبة إلى ما فوقها إلى ما تحتها قوية، فإذا لم يكن في اللفظ دلالة على تعيين تلك المرتبة مع أن مراد الله هو تلك المرتبة صارت الآية مجملة وهو خلاف الأصل، ولما بطل هذان القسمان تعين أن المراد هو القسم الأول، وذلك لأنه مضبوط، فحمل الآية عليه أولى لأنه لا يفضي إلى صيرورة الآية مجملة.
إذا ثبت هذا فنقول: أول الآية دل على إيجاب الصوم، وهو قوله: كتب عليكم الصيام