أي لم تجمع في رحمها ولدا، ومن هذا الأصل: قرء المرأة وهو أيام اجتماع الدم في رحمها، فسمي القرآن قرآنا، لأنه يجمع السور ويضمها وثالثها: قول قطرب وهو أنه سمي قرآنا، لأن القارئ يكتبه، وعند القراءة كأنه يلقيه من فيه أخذا من قول العرب: ما قرأت الناقة سلى قط، أي ما رمت بولد وما أسقطت ولدا قط وما طرحت، وسمي الحيض، قرأ لهذا التأويل، فالقرآن يلفظه القارئ من فيه ويلقيه فسمي قرآنا.
المسألة الثالثة: قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى: * (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) * (البقرة: 23) أن التنزيل مختص بالنزول على سبيل التدريج، والإنزال مختص بما يكون النزول فيه دفعة واحدة، ولهذا قال الله تعالى: * (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل) * إذا ثبت هذا فنقول: لما كان المراد ههنا من قوله تعالى: * (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) * أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، لا جرم ذكره بلفظ الإنزال دون التنزيل، وهذا يدل على أن هذا القول راجح على سائر الأقوال. أما قوله: * (هدى للناس) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: بينا تفسير الهدى في قوله تعالى: * (هدى للمتقين) * (البقرة: 2).
والسؤال أنه تعالى جعل القرآن في تلك الآية هدى للمتقين، وههنا جعله هدى للناس، فكيف وجه الجمع؟ وجوابه ما ذكرناه هناك.
المسألة الثانية: * (هدى للناس وبينات) * نصب على الحال، أي أنزل وهو هداية للناس إلى الحق وهو آيات واضحات مكشوفات مما يهدي إلى الحق ويفرق بين الحق والباطل.
أما قوله تعالى: * (وبينات من الهدى والفرقان) * ففيه إشكال وهو أن يقال: ما معنى قوله: * (وبينات من الهدى) * بعد قوله: * (هدى) *.
وجوابه من وجوه الأول: أنه تعالى ذكر أولا أنه هدى، ثم الهدى على قسمين: تارة يكون كونه هدى للناس بينا جليا، وتارة لا يكون كذلك، والقسم الأول لا شك أنه أفضل فكأنه قيل: هو هدى لأنه هو البين من الهدى، والفارق بين الحق والباطل، فهذا من باب ما يذكر الجنس ويعطف نوعه عليه، لكونه أشرف أنواعه، والتقدير كأنه قيل: هذا هدى، وهذا بين من الهدى، وهذا بينات من الهدى، ولا شك أن هذا غاية المبالغات الثاني: أن يقال: القرآن هدى في نفسه، ومع كونه كذلك فهو أيضا بينات من الهدى والفرقان، والمراد بالهدى والفرقان: التوراة والإنجيل قال الله تعالى: * (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل