أياما معدودات ثم بين أحوال المعذورين، ولما كان المعذورون على قسمين: منهم من لا يطيق الصوم أصلا، ومنهم من يطيقه مع المشقة والشدة، فالله تعالى ذكر حكم القسم الأول ثم أردفه بحكم القسم الثاني.
الحجة الثانية: في تقرير هذا القول أنه لا يقال في العرف للقادر القوي: إنه يطيق هذا الفعل لأن هذا اللفظ لا يستعمل إلا في حق من يقدر عليه مع ضرب من المشقة.
الحجة الثالثة: أن على أقوالكم لا بد من إيقاع النسخ في هذه الآية وعلى قولنا لا يجب، ومعلوم أن النسخ كلما كان أقل كان أولى فكان المصير إلى إثبات النسخ من غير أن يكون في اللفظ ما يدل عليه غير جائز.
الحجة الرابعة: أن القائلين بأن هذه الآية منسوخة اتفقوا على أن ناسخها آية شهود الشهر، وذلك غير جائز لأنه تعالى قال في آخر تلك الآية: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * (البقرة: 185) ولو كانت الآية ناسخة لهذا لما كان قوله: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * لائقا بهذا الموضع، لأن هذا التقدير أوجب الصوم على سبيل التضييق، ورفع وجوبه على سبيل التخيير، فكان ذلك رفعا لليسر وإثباتا للعسر فكيف يليق به أن يقول: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) *.
واحتج القاضي رحمه الله في فساد قول الأصم فقال: إن قوله: * (وعلى الذين يطيقونه) * معطوف على المسافر والمريض، ومن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه فبطل قول الأصم. والجواب: أنا بينا أن المراد من المسافر والمريض المذكورين في الآية هما اللذان لا يمكنهما الصوم البتة، والمراد من قوله: * (وعلى الذين يطيقونه) * المسافر والمريض اللذان يمكنهما الصوم، فكانت المغايرة حاصلة فثبت بما بينا أن القول الذي اختاره الأصم ليس بضعيف، أما إذا وافقنا الجمهور وسلمنا فساده بقي القولان الآخران، وأكثر المفسرين والفقهاء على القول الثاني، واختاره الشافعي واحتج على فساد القول الثالث، وهو قول من حمله على الشيخ الهرم والحامل والمرضع بأن قال: لو كان المراد هو الشيخ الهرم لما قال في آخر الآية: * (وأن تصوموا خير لكم) * لأنه لا يطيقه، ولقائل أن يقول: هذا محمول على الشيخ الهرم الذي يطيق الصوم ولكنه يشق عليه، وعلى هذا التقدير فلا يمتنع أن يقال له: لو تحملت هذه المشقة لكان ذلك خيرا لك فإن العبادة كلما كانت أشق كانت أكثر ثوابا.
أما قوله تعالى: * (فدية طعام مسكين) * ففيه مسألتان: