الوجوه من الرحمة فله الحمد على نعمه كثيرا، إذا عرفت هذا فنقول في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا) * إلى قوله: * (أخر) * فيه معنى الشرط والجزاء أي من يكن منكم مريضا أو مسافرا فأفطر فليقض، وإذا قدرت فيه معنى الشرط كان المراد بقوله كان الاستقبال لا الماضي، كما تقول: من أتاني أتيته.
المسألة الثانية: المرض عبارة عن عدم اختصاص جميع أعضاء الحي بالحالة المقتضية لصدور أفعاله سليمة سلامة تليق به، واختلفوا في المرض المبيح للفطر على ثلاثة أقوال أحدها: أن أي مريض كان، وأي مسافر كان، فله أن يترخص تنزيلا للفظه المطلق على أقل أحواله، وهذا قول الحسن وابن سيرين، يروى أنهم دخلوا على ابن سيرين في رمضان وهو يأكل، فاعتل بوجع أصبعه وثانيها: أن هذه الرخصة مختصة بالمريض الذي لو صام لوقع في مشقة وجهد، وبالمسافر الذي يكون كذلك، وهذا قول الأصم، وحاصله تنزيل اللفظ المطلق على أكمل الأحوال وثالثها: وهو قول أكثر الفقهاء: أن المرض المبيح للفطر هو الذي يؤدي إلى ضرر النفس أو زيادة في العلة، إذ لا فرق في الفعل بين ما يخاف منه وبني ما يؤدي إلى ما يخاف منه كالمحموم إذا خاف أنه لو صام تشتد حماه، وصاحب وجع العين يخاف إن صام أن يشتد وجع عينه، قالوا: وكيف يمكن أن يقال كل مرض مرخص مع علمنا أن في الأمراض ما ينقصه الصوم، فالمراد إذن منه ما يؤثر الصوم في تقويته، ثم تأثيره في الأمر اليسير لا عبرة به، لأن ذل قد يحصل فيمن ليس بمريض أيضا، فإذن يجب في تأثيره ما ذكرناه.
المسألة الثالثة: أصل السفر من الكشف وذلك أنه يكشف عن أحوال الرجال وأخلاقهم والمسفرة المكنسة، لأنها تسفر التراب عن الأرض، والسفير الداخل بين اثنين للصلح، لأنه يكشف المكروه الذي اتصل بهما، والمسفر المضئ، لأنه قد انكشف وظهر ومنه أسفر الصبح والسفر الكتاب، لأنه يكشف عن المعان ببيانه، وأسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفت النقاب، قال الأزهري: وسمي المسافر مسافرا لكشف قناع الكن عن وجهه وبروزه للأرض الفضاء، وسمي السفر سفرا لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، ويظهر ما كان خافيا منهم، واختلف الفقهاء في قدر السفر المبيح للرخص، فقال داود: الرخص حاصلة في كل سفر ولو كان السفر فرسخا، وتمسك فيه بأن الحكم لما كان معلقا على كونه مسافرا، فحيث تحقق هذا المعنى حصل هذا الحكم أقصى ما في الباب أنه يروي خبر واحد في تخصيص هذا العموم، لكن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد غير جائز، وقال الأوزاعي: السفر المبيح مسافة يوم: وذلك لأن أقل من