فالشجة والجراحة التي لا قود فيها داخلة تحت الآية لأن الجارح لا يأمن أن تؤدى جراحته إلى زهوق النفس فيلزم القود، فخوف القصاص حاصل في النفس.
الوجه الثالث: أن المراد من القصاص إيجاب التسوية فيكون المراد أن في إيجاب التسوية حياة لغير القاتل، لأنه لا يقتل غير القاتل بخلاف ما يفعله أهل الجاهلية وهو قول السدي.
والوجه الرابع: قرأ أبو الجوزاء * (ولكم في القصاص حياة) * أي فيما قص عليكم من حكم القتل والقصاص وقيل: * (القصاص) * القرآن، أي لكم في القرآن حياة للقلوب كقوله: * (روحا من أمرنا ويحيى من حي عن بينة) * والله أعلم.
المسألة الثانية: اتفق علماء البيان على أن هذه الآية في الإيجاز مع جمع المعاني باللغة بالغة إلى أعلى الدرجات، وذلك لأن العرب عبروا عن هذا المعنى بألفاظ كثير، كقولهم: قتل البعض إحياء للجميع، وقول آخرين: أكثروا القتل ليقل القتل، وأجود الألفاظ المنقولة عنهم في هذا الباب قولهم: القتل أنفى للقتل، ثم إن لفظ القرآن أفصح من هذا، وبيان التفاوت من وجوه: أحدها: أن قوله: * (ولكم في القصاص حياة) * أخصر من الكل، لأن قوله: * (ولكم) * لا يدخل في هذا الباب، إذ لا بد في الجميع من تقدير ذلك، لأن قول القائل: قتل البعض إحياء للجميع لا بد فيه من تقدير مثله، وكذلك في قولهم: القتل أنفى للقتل فإذا تأملت علمت أن قوله: * (في القصاص حياة) * أشد اختصارا من قولهم: القتل أنفى للقتل وثانيها: أن قولهم: القتل أنفى للقتل ظاهرة يقتضي كون الشيء سببا لانتفاء نفسه وهو محال، وقوله: * (في القصاص حياة) * ليس كذلك، لأن المذكور هو نوع من القتل وهو القصاص، ثم ما جعله سببا لمطلق الحياة لأنه ذكر الحياة منكرة، بل جعله سببا لنوع من أنواع الحياة وثالثها: أن قولهم القتل أنفى للقتل، فيه تكرار للفظ القتل وليس قوله: * (في القصاص حياة) * كذلك ورابعها: أن قول القائل: القتل أنفى للقتل. لا يفيد إلا الردع عن القتل، وقوله: * (في القصاص حياة) * يفيد الردع عن القتل وعن الجرح وغيرهما فهو أجمع للفوائد وخامسها: أن نفي القتل مطلوب تبعا من حيث إنه يتضمن حصول الحياة، وأما الآية فإنها دالة على حصول الحياة وهو مقصود أصلي، فكان هذا أولى وسادسها: أن القتل ظلما قتل، مع أنه لا يكون نافيا للقتل بل هو سبب لزيادة القتل، إنما النافي لوقوع القتل هو القتل المخصوص وهو القصاص، فظاهر قولهم باطل، أما الآية فهي صحيحة ظاهرا وتقديرا، فظهر التفاوت بين الآية وبين كلام العرب.