عن المال، وبذل الشيء عند الاحتياج إليه أدل على الطاعة من بذله عند الاستغناء عنه على ما قال: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (آل عمران: 92) وثانيها: أن إعطاءه حال الصحة أدل على كونه متيقنا بالوعد والوعيد من إعطاءه حال المرض والموت وثالثها: أن إعطاءه حال الصحة أشق، فيكون أكثر ثوابا قياسا على ما يبذله الفقير من جهد المقل فإنه يزيد ثوابه على ما يبذله الغني ورابعها: أن من كان ماله على شرف الزوال فوهبه من أحد مع العلم بأنه لو لم يهبه لضاع فإن هذه الهبة لا تكون مساوية لما إذا لم يكن خائفا من ضياع المال ثم إنه وهبه منه طائعا وراغبا فكذا ههنا وخامسها: أنه متأيد بقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (آل عمران: 92) وقوله: * (ويطعمون الطعام على حبه) * (الإنسان: 80) أي على حب الطعام، وعن أبي الدرداء أنه صلى الله عليه وسلم قال: " مثل الذي تصدق عند الموت مثل الذي يهدي بعدما شبع ". القول الثاني: أن الضمير يرجع إلى الإيتاء كأنه قيل: يعطي ويحب الإعطاء رغبة في ثواب الله.
القول الثالث: أن الضمير عائد على اسم الله تعالى، يعني يعطون المال على حب الله أي على طلب مرضاته.
المسألة الثانية: اختلفوا في المراد من هذا الإيتاء فقال قوم: إنها الزكاة وهذا ضعيف وذلك لأنه تعالى عطف الزكاة عليه بقوله: * (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) * ومن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يتغايرا، فثبت أن المراد به غير الزكاة، ثم إنه لا يخلوا إما أن يكون من التطوعات أو من الواجبات، لا جائز أن يكون من التطوعات لأنه تعالى قال في آخر الآية: * (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) * وقف التقوى عليه، ولو كان ذلك ندبا لما وقف التقوى عليه، فثبت أن هذا الإيتاء، وإن كان غير الزكاة إلا أنه من الواجبات ثم فيه قولان:
القول الأول: أنه عبارة عن دفع الحاجات الضرورية مثل إطعام المضطر، ومما يدل على تحقق هذا الوجوب النص والمعقول، أما النص فقوله عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانا وجاره طاو إلى جنبه " وروي عن فاطمة بنت قيس: أن في المال حقا سوى الزكاة، ثم تلت * (وآتى المال على حبه) * وحكي عن الشعبي أنه سئل عمن له مال فأدى زكاته فهل عليه شيء سواه؟ فقال: نعم يصل القرابة، ويعطي السائل، ثم تلا هذه الآية، وأما العقل فإنه لا خلاف أنه إذا انتهت الحاجة إلى الضرورة، وجب على الناس أن يعطوه مقدار دفع الضرورة وإن لم تكن الزكاة واجبة عليهم، ولو امتنعوا من الإعطاء جاز الأخذ منهم قهرا، فهذا يدل على أن هذا الإيتاء واجب، واحتج من طعن في هذا القول بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن