والحجة في أنه تعالى أوجب على المحصر الهدي على التعيين، وما أثبت له بدلا والثاني: أن له بدلا ينتقل إليه، وهو قول أحمد فإذا قلنا بالقول الأول: هل له أن يتحلل في الحال أو يقيم على إحرامه فيه قولان أحدهما: أنه يقيم على إحرامه حتى يجده، وهو قول أبي حنيفة ويدل عليه ظاهر الآية والثاني: أن يتحلل في الحال للمشقة، وهو الأصح، فإذا قلنا بالقول الثاني ففيه اختلافات كثيرة وأقربها أن يقال: يقوم الهدي بالدراهم ويشتري بها طعام ويؤدي، وإنما قلنا ذلك لأنه أقرب إلى الهدي.
المسألة الخامسة: المحصر إذا أراد التحلل وذبح، وجب أن ينوي التحلل عند الذبح، ولا يتحلل البتة قبل الذبح.
المسألة السادسة: اختلفوا في العمرة فأكثر الفقهاء قالوا حكمها في الإحصار كحكم الحج وعن ابن سيرين أنه لا إحصار فيه لأنه غير مؤقت، وهذا باطل لأن قوله تعالى: * (فإن أحصرتم) * مذكور عقيب الحج والعمرة، فكان عائدا إليهما.
أما قوله تعالى: * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في الآية حذف لأن الرجل لا يتحلل ببلوغ الهدي محله بل لا يحصل التحلل إلا بالنحر فتقدير الآية: حتى يبلغ الهدي محله وينحر فإذا نحر فاحلقوا.
المسألة الثانية: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: يجوز إراقة دم الإحصار لا في الحرم، بل حيث حبس، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: لا يجوز ذلك إلا في الحرم ومنشأ الخلاف البحث في تفسير هذه الآية، فقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: المحل في هذه الآية اسم للزمان الذي يحصل فيه التحلل، وقال أبو حنيفة: إنه اسم للمكان.
حجة الشافعي رضي الله تعالى عنه من وجوه الأول: إنه عليه الصلاة والسلام أحصر بالحديبية ونحر بها، والحديبية ليست من الحرم، قال أصحاب أبي حنيفة إنه إنما أصحر في طرف الحديبية الذي هو أسفل مكة، وهو من الحرم، قال الواقدي: الحديبية على طرف الحرم على تسعة أميال من مكة، أجاب القفال رحمه الله في " تفسيره " عن هذا السؤال فقال الدليل على أن نحر ذلك الهدي ما وقع في الحرم قوله تعالى: * (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله) * (الفتح: 25) فبين تعالى أن الكفار منعوا النبي صلى الله عليه وسلم عن إبلاغ الهدي محله الذي كان يريده فدل هذا على أنهم نحروا ذلك الهدي في غير الحرم.
الحجة الثانية: أن المحصر سواء كان في الحل أو في الحرم فهو مأمور بنحر الهدي فوجب