أن يتمكن في الحل والحرم من نحر الهدى.
بيان المقام الأول: أن قوله: * (فإن أحصرتم) * يتناول كل من كان محصرا سواء كان في الحل أو في الحرم، وقوله بعد ذلك: * (فما استيسر من الهدي) * معناه فما استيسر من الهدي نحوه واجب، أو معناه فانحروا فانحروا ما استيسر من الهدي، وعلى التقديرين ثبت أن هذه الآية دالة على أن نحر الهدي واجب على المحصر سواء كان محصرا في الحل أو في الحرم، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون له الذبح في الحل والحرم، لأن المكلف بالشئ أول درجاته أن يجوز له فعل المأمور به، وإذا كان كذلك وجب أن يكون المحصر قادرا على إراقة الدم حيث أحصر.
الحجة الثالثة: أن الله سبحانه إنما مكن المحصر من التحلل بالذبح ليتمكن من تخليص النفس عن خوف العدو في الحال، فلو لم يجز النحر إلا في الحرم وما لم يحصل النحر لا يحصل التحلل بدلالة الآية، فعلى هذا التقدير وجب أن لا يحصل التحلل في الحال، وذلك يناقض ما هو المقصود من شرع هذا الحكم، ولأن الموصل للنحر إلى الحرم إن كان هو فقد نفى الخوف، وكيف يؤمن بهذا الفعل من قيام الخوف وإن كان غيره فقد لا يجد ذلك الغير فماذا يفعل؟ حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه الأول: أن المحل بكسر عين الفعل عبارة عن المكان، كالمسجد والمجلس فقوله: * (حتى يبلغ الهدي محله) * يدل على أنه غير بالغ في الحال إلى مكان الحل، وهو عندكم بالغ محله في الحال، جوابه: المحل عبارة عن الزمان وأن من المشهور إن محل الدين هو وقت وجوبه الثاني: هب أن لفظ المحل يحتمل المكان والزمان إلا أن الله تعالى أزال هذا الإحتمال بقوله * (ثم محلها إلى البيت العتيق) * (الحج: 33) وفي قوله: * (هديا بالغ الكعبة) * (المائدة: 95) ولا شك أن المراد منه الحرم فإن البيت عينه لا يراق فيه الدماء.
جوابه: قال الشافعي رضي الله عنه: كل ما وجب على المحرم في ماله من بدنة وجزاء هدي فلا يجزي إلا في الحرم لمساكين أهله إلا في موضعين أحدهما: من ساق هديا فعطف في طريقه ذبحه وخلى بينه وبين المساكين والثاني: دم المحصر بالعدو فإنه ينحر حيث حبس، فالآيات التي ذكرتموها في سائر الدماء فلم قلتم إنها تتناول هذه الصورة الثالث: قالوا: الهدي سمي هديا لأنه جار مجرى الهدية التي يبعثها العبد إلى ربه، والهدية لا تكون هدية إلا إذا بعثها المهدي إلى دار المهدى إليه وهذا المعنى لا يتصور إلا بجعل موضع الهدي هو الحرم.
جوابه: هذا التمسك بالاسم ثم هو محمول على الأفضل عند القدرة الرابع: أن سائر دماء الحج