وحابسا ومانعا، أما وصف العدو بأنه حابس ومانع، فوصف حقيقي، وحمل الكلام على حقيقته أولى من حمله على مجازه.
الحجة الرابعة: أن الإحصار مشتق من الحصر ولفظ الحصر لا إشعار فيه بالمرض، فلفظ الإحصار وجب أن يكون خاليا عن الاشعار بالمرض قياسا على جميع الألفاظ المشتقة.
الحجة الخامسة: أنه تعالى قال بعد هذه الآية: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * فعطف عليه المريض، فلو كان المحصر هو المريض أو من يكون المرض داخلا فيه، لكان هذا عطفا للشئ على نفسه.
فإن قيل: إنه خص هذا المرض بالذكر لأن له حكما خاصا، وهو حلق الرأس، فصار تقدير الآية إن منعتم بمرض تحللتم بدم، وإن تأذى رأسكم بمرض حلقتم وكفرتم.
قلنا: هذا وإن كان حسنا لهذا الغرض، إلا أنه مع ذلك يلزم عطف الشئ على نفسه، أما إذا لم يكن المحصر مفسرا بالمريض، لم يلزم عطف الشئ على نفسه، فكان حمل المحصر على غير المريض يوجب خلو الكلام عن هذا الاستدلال، فكان ذلك أولى.
الحجة السادسة: قال تعالى في آخر الآية: * (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * ولفظ الأمن إنما يستعمل في الخوف من العدو لا في المرض، فإنه يقال في المرض: شفي وعفي ولا يقال أمن.
فإن قيل: لا نسلم أن لفظ الأمن لا يستعمل إلا في الخوف، فإنه يقال: أمن المريض من الهلاك وأيضا خصوص آخر الآية لا يقدح في عموم أولها.
قلنا: لفظ الأمن إذا كان مطلقا غير مقيد فإنه لا يفيد إلا الأمن من العدو، وقوله خصوص آخر الآية لا يمنع من عموم أولها.
قلنا: بل يوجب لأن قوله: * (فإذا أمنتم) * ليس فيه بيان أنه حصل الأمن مماذا، فلا بد وأن يكون المراد حصول الأمن من شئ تقدم ذكره، والذي تقدم ذكره هو الاحصار، فصار التقدير: فإذا أمنتم من ذلك الاحصار، ولما ثبت أن لفظ الأمن لا يطلق إلا في حق العدو، وجب أن يكون المراد من هذا الاحصار منع العدو، فثبت بهذه الدلائل أن الإحصار المذكور في الآية هو منع العدو فقط، أما قول من قال: إنه منع المرض صاحبه خاصة فهو باطل بهذه الدلائل، وفيه دليل آخر، وهو أن المفسرين أجمعوا على أن سبب نزول هذه الآية أن الكفار أحصروا النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، والناس وإن اختلفوا في أن الآية النازلة في سبب هل تتناول غير ذلك السبب؟ إلا أنهم اتفقوا على أنه لا يجوز أن يكون ذلك السبب خارجا عنه، فلو كان