النوع السادس: في بيان فائدة هذا الكلام أن هذا الخطاب مع العرب، ولم يكونوا أهل حساب، فبين الله تعالى ذلك بيانا قاطعا للشك والريب، وهذا كما روي أنه قال في الشهر: هكذا وهكذا وأشار بيديه ثلاثا، وأشار مرة أخرى وأمسك إبهامه في الثالثة منبها بالإشارة الأولى على ثلاثين، وبالثانية على تسعة وعشرين.
النوع السابع: أن هذا الكلام يزيل الإبهام المتولد من تصحيف الخط، وذلك لأن سبعة وتسعة متشابهتان في الخط، فإذا قال بعده تلك عشرة كاملة زال هذا الاشتباه.
النوع الثامن: أن قوله: * (فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) * يحتمل أن يكون المراد منه أن يكون الواجب بعد الرجوع أن يكمل سبعة أيام، على أنه يحسب من هذه السبعة تلك الثلاثة المتقدمة، حتى يكون الباقي عليه بعد من الحج أربعة سوى تلك الثلاثة المتقدمة، ويحتمل أن يكون المراد منه أن يكون الواجب بعد الرجوع سبعة سوى تلك الثلاثة المتقدمة، فهذا الكلام محتمل لهذين الوجهين، فإذا قال بعده تلك عشة كاملة زال هذا الإشكال، وبين أن الواجب بعد الرجوع سبعة سوى الثلاثة المتقدمة.
النوع التاسع: أن اللفظ وإن كان خبرا لكن المعنى أمر والتقدير: فلتكن تلك الصيامات صيامات كاملة لأن الحج المأمور به حج تام على ما قال: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * وهذه الصيامات جبرانات للخلل الواقع في ذلك الحج، فلتكن هذه الصيامات صيامات كاملة حتى يكون جابرا للخلل الواقع في ذلك الحج، الذي يجب أن يكون تاما كاملا، والمراد بكون هذه الصيامات كاملة ما ذكرنا في بيان كون الحج تاما، وإنما عدل عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر لأن التكليف بالشئ إذا كان متأكدا جدا فالظاهر دخول المكلف به في الوجود، فلهذا السبب جاز أن يجعل الإخبار عن الشئ بالوقوع كناية عن تأكد الأمر به، ومبالغة الشرع في إيجابه.
النوع العاشر: أنه سبحانه وتعالى لما أمر بصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد الرجوع من الحج، فليس في هذا القدر بيان أنه طاعة عظيمة كاملة عند الله سبحانه وتعالى، فلما قال بعده: * (تلك عشرة كاملة) * دل ذلك على أن هذه الطاعة في غاية الكمال، وذلك لأن الصوم مضاف إلى الله تعالى بلام الإختصاص على ما قال تعالى: * (الصوم لي) * والحج أيضا مضاف إلى الله تعالى بلام الإختصاص، على ما قال: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * وكما دل النص على مزيد اختصاص لهاتين العبادتين بالله سبحانه وتعالى، فالعقل دل أيضا على ذلك، أما في حق الصوم فلأنه عبادة لا يطلع العقل البتة على وجه الحكمة فيها، وهو مع ذلك شاق على النفس جدا، فلا جرم لا يؤتى به إلا لمحض مرضاة الله تعالى، والحج أيضا عبادة لا يطلع العقل البتة على وجه الحكمة فيها، وهو مع ذلك شاق جدا لأنه يوجب مفارقة الأهل والوطن، ويوجب التباعد عن أكثر اللذات، فلا جرم لا يؤتى