أنه ذبح ولكن لم يكن ذبحه ذكاة وسنذكر حد الزكاة في موضعه، فإن قيل: كيف يصح ذلك وقد قال تعالى في سورة المائدة: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * (المائدة: 3) ثم ذكر من بعده المنخنقة والموقوذة والمتردي فدل هذا على أن غير المذكى منه ما هو ميتة ومنه ما ليس كذلك، قلنا لعل الأمر كان في ابتداء الشرع على أصل اللغة، وأما بعد استقرار الشرع فالميتة ما ذكرناه والله أعلم.
أما المقاصد فاعلم أن الخطأ في المسائل المستنبطة من هذه الآية من وجهين أحدهما: ما أخرجوه عن الآية وهو داخل فيها والثاني: ما أدخلوه فيها وهو خارج عنها.
أما القسم الأول ففيه مسائل:
المسألة الأولى: ذهب الشافعي رضي الله عنه في أظهر أقواله إلى أنه يحرم الانتفاع بصوف الميتة وشعرها وعظمها وقال مالك: يحرم الانتفاع بعظمها خاصة وجل الفقهاء اتفقوا على تحريم الانتفاع بشعر الخنزير، واحتج هؤلاء بأن هذه الأشياء ميتة فوجب أن يحرم الانتفاع بها، إنما قلنا إنها ميتة لقوله عليه السلام: " ما أبين من حي فهو ميت " وهذا الخبر يعم الشعر والعظم والكل وأما الذي يدل على أن العظم ميتة خاصة فقوله تعالى: * (من يحيي العظام وهي رميم) * (يس: 78) فثبت أنها كانت حية فعند الموت تصير ميتة وإذا ثبت أنها ميتة وجب أن يحرم الانتفاع بها لقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * اعترض المخالف عليه بأن الشعر والصوف لا حياة فيه، لأن حكم الحياة الإدراك والشعور وذلك مفقود في الشعر ولأجل هذا الكلام ذهب مالك إلى تنجيس العظام دون الشعور.
والجواب: أن الحياة ليست عبارة عن المعنى المقتضى للإدراك والشعور بدليل الآية والخبر أما الآية فقوله تعالى: * (كيف يحيي الأرض بعد موتها) * (الروم: 50) وأما الخبر فقوله عليه السلام: " من أحيا أرضا ميتة فهي له " والأصل في الإطلاق الحقيقة، فعلمنا أن الحياة في أصل اللغة ليست عبارة عما ذكرتموه، بل عن كون الحيوان أو النبات صحيحا في مزاجه معتدلا في حاله غير معترض للفساد والتعفن والتفرق، وإذا ثبت ذلك ظهر اندراجه تحت الآية، واحتج أبو حنيفة بالقرآن والخبر والإجماع والقياس، أما القرآن فقوله تعالى: * (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) * (النحل: 80) حيث ذكرها في معرض المنة، والامتنان لا يقع بالنجس الذي لا يحل الانتفاع به، وأما الخبر فقوله عليه السلام في شاة ميمونة " إنما حرم من الميتة أكلها " وأما الإجماع، فهو أنهم كانوا يلبسون جلود الثعالب، ويجعلون منها القلانس، وعن النخعي: كانوا لا يرون بجلود السباع وجلود الميتة إذا دبغت بأسا، وما خصوا حال الشعر وعدمه وقول الشافعي: كانوا إشارة إلى الصحابة وليس لأحد أن يقول الثعلب عند الشافعي رضي الله عنه حلال، فلهذا يقول بإباحته لأن الزكاة شرط بالاتفاق وهو غير حاصل في هذه الثعالب،