مما يستحقه أي من الإضافة وإنما كثر في كتاب الله تعالى النداء على هذه الطريقة لاستقلاله بهذه التأكيدات والمبالغات فإن كل ما نادى الله تعالى به عباده من الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، واقتصاص أخبار المتقدمين بأمور عظام، وأشياء يجب على المستمعين أن يتيقظوا لها مع أنهم غافلون عنها، فلهذا وجب أن ينادوا بالأبلغ الآكد.
المسألة السادسة: اعلم أن قوله: * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) * يقتضي أن الله تعالى أمر كل الناس بالعبادة فلو خرج البعض عن هذا الخطاب لكان ذلك تخصيصا للعموم. وههنا أبحاث. البحث الأول: أن لفظ الجمع المعرف بلام التعريف يفيد العموم، والخلاف فيه مع الأشعري والقاضي أبي بكر وأبي هاشم، لنا أنه يصح تأكيده بما يفيد العموم كقوله: * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) * (الحجر: 15) ولو لم يكن اللفظ في أصله للعموم لما كان قوله: * (كلهم) * تأكيدا بل بيانا ولأنه يصح استثناء كل واحد من الناس عنه والاستثناء يخرج ما لولاه لدخل فوجب أن يفيد العموم وتمام تقريره في أصول الفقه. البحث الثاني: لما ثبت أن قوله تعالى: * (يا أيها الناس) * يتناول جميع الناس الذين كانوا موجودين في ذلك العصر فهل يتناول الذين سيوجدون بعد ذلك أم لا؟ والأقرب أنه لا يتناولهم؛ لأن قوله: * (يا أيها الناس) * خطاب مشافهة وخطاب المشافهة مع المعدوم لا يجوز، وأيضا فالذين سيوجدون بعد ذلك ما كانوا موجودين في تلك الحالة، وما لا يكون موجودا لا يكون إنسانا وما لا يكون إنسانا لا يدخل تحت قوله: * (يا أيها الناس) * فإن قيل: فوجب أن لا يتناول شيء من هذه الخطابات الذين وجدوا بعد ذلك الزمان وأنه باطل قطعا. قلنا: لو لم يوجد دليل منفصل لكان الأمر كذلك إلا أنا عرفنا بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن تلك الخطابات ثابتة في حق من سيوجد بعد ذلك إلى قيام الساعة فلهذه الدلالة المنفصلة حكمنا بالعموم. البحث الثالث: قوله: * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) * أمر للكل بالعبادة فهل يفيد أمر الكل بكل عبادة؟ الحق لا، لأن قوله اعبدوا معناه ادخلوا هذه الماهية في الوجود، فإذا أتوا بفرد من أفراد الماهية في الوجود فقد أدخلوا الماهية في الوجود لأن الفرد من أفراد الماهية مشتمل على الماهية لأن هذه العبادة عبارة عن العبادة مع قيد كونها هذه ومتى وجد المركب فقد وجد قيداه، فالآتي بفرد من أفراد العبادة آت بالعبادة، والآتي بالعبادة آت بتمام ما اقتضاه قوله: * (اعبدوا) * وإذا كان كذلك وجب خروجه عن العهدة فإن أردنا أن نجعله دالا على العموم نقول: الأمر بالعبادة لا بد وأن يكون لأجل كونها عبادة لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعلية الوصف، لا سيما إذا كان الوصف مناسبا للحكم، وههنا كون العبادة عبادة يناسب الأمر بها، لما أن العبادة عبارة عن تعظيم الله تعالى وإظهار الخضوع له وكل ذلك مناسب في العقول، وإذا ثبت أن كون عبادة علة للأمر بها وجب في كل عبادة أن يكون مأمورا بها، لأنه أينما حصلت العلة وجب حصول الحكم لا محالة. البحث الرابع: لقائل أن يقول: قوله: * (يا أيها الناس اعبدوا) * لا يتناول الكفار البتة لأن الكفار لا يمكن أن